مُتلازمة التَّعب المزمن

الكاتب: رامي -
مُتلازمة التَّعب المزمن
"

مُتلازمة التَّعب المزمن.

تتسم مُتلازمة التَّعب المزمن (Chronic fatigue syndrome [CFS])، والَّتي تُعرف أيضاً بالْتِهاب الدِّماغِ و النُّخاعِ المُؤلِمُ للعَضَل (Myalgic encephalomyelitis [ME]) بتسببها بالتَّعب المُفرط طويل الأمد الَّذي لا ينجم عن مرضٍ ما ولا يزول بعد أخذ قسطٍ من الرَّاحة، بل يستمر لمدةٍ طويلةٍ معطلاً الشَّخص عن أداء نشاطاته المُعتادة.

يزداد التعب سوءاً مع النَّشاطات الجسديَّة والعقليَّة. فالتَّعب الشَّديد الَّذي يستمرُّ لمدَّة 6 أشهرٍ أو أكثر بالإضافة إلى 4 َأعراضٍ على الأقلِّ من 8 سيتم ذكرها لاحقاً تُعدُّ كافيةً لتشخيص هذه الحالة.

على الرَّغم من ذلك، إلَّا أنّ تشخيص هذه المُتلازمة يُعدُّ أمراً صعباً، حيث أنَّه لا يوجد اختبار خاص لها، كما وأنَّ هناك العديد من الأمراض الَّتي تتصاحب مع نفس أعراضها، بالتالي يجب على الطَّبيب أن يقوم بالتأكد من عدم وجود سببٍ آخر للأعراض قبل إعطاء التشخيص.

أمَّا عن أسبابها، فهي حاليا غير معروفة تماماً بعد، غير أنَّ هناك نظريَّاتٍ عديدةً تتراوح من كون المتلازمة ذات أساسٍ فيروسيٍّ إلى كونها ذات أساسٍ نفسيٍّ. وهي قد تُثار لأسبابٍ عديدةٍ، منها التعرض للتسمُّم والبنج والإصابة بصدمةٍ ما، كما وأنَّها قد تنشأُ ببطءٍ لدى الشخص.

في الوقت الحالي لا يوجد علاجٌ شافٍ من هذه المُتلازمة، فهدف العلاج حالياً هو التَّخفيف من الأعراض. وتتضمَّن الأساليب العلاجيَّة العلاج الدوائيّ لعلاجاضطرابات النَّوموالألم وغيرهما من الأعراض، فضلا عن العلاج بأساليب التَّأقلم والمساعدة في السيطرة على القدرة على تنظيم القيام بالمهام اليوميَّة. وتنقسم هذه المتلازمة إلى أفرعٍ عديدةٍ، ما يجعل علاجها يختلف من فرعٍ لآخر. لذلك، فيجب أن يتم عمل خطةٍ علاجيةٍ فرديةٍ خاصةٍ لكلِّ مصابٍ على حدة.

يُشار إلى أنِّ الجميع عرضةٌ للإصابة بهذه المُتلازمة حتى الأطفال، غير أنَّها تُعدُّ أكثر شيوعا بين النِّساء في الأربعينات والخمسينات من أعمارهنَّ. وتُعدُّ هذه المُتلازمة مرضاً عصبياً. وبشكل عام، عادةً ما تتحسن أعراضها خلال السَّنوات الخمس الأولى بعد الإصابة بها، غير أنَّ البعض قد يصابون بانتكاسة أو يضطرون إلى البقاء في الفراش مدى الحياة.

لقد بدأ العلماء مؤخراً بالتَّعرُّف على الأسباب البيولوجيَّة لهذه المُتلازمة، لكنَّهم لم يجدوا بعد العلاج الشَّافي منها.

وقد وجدت أكثر ممَّا يزيد عن 4000 مقالةٍ بحثيةٍ وجود ارتباطٍ بين هذه المُتلازمة وبين الأسباب الآتية:

  • العوامل الوراثيَّة.
  • الالتهابات الفيروسيَّة والبكتيريَّة وغيرها.
  • الاضّطرابات الكيماويَّة الحيويَّة.
  • الاضّطرابات في جهاز المناعة والجهاز العصبيِّوالهرمونات.
  • الاضّطرابات في قدرة الجسم على توصيل الطَّاقة.
  • الاضطرابات في الدِّورة الدَّموية وضغط الدَّم والجهاز القلبيِّ.
  • الاضّطرابات فيالجهاز الهضميِّ.

تتضمَن العوامل الَّتي تزيد من احتماليَّة الإصابة بهذه المُتلازمة ما يلي:

  • الجنس:النِّساء عادةً ما يتم تشخيصهنَّ بالإصابة بهذه المُتلازمة أكثر من الرجال، وقد يكون ذلك نتيجةً لقيام النِّساء بطلب المساعدة الطبية أكثر من الرِّجال.
  • السِّنّ:على الرَّغم من أنَّ هذه المُتلازمة قد تصيب الشَّخص في أيِّ سن كان، حتى في مرحلة الطُّفولة، إلَّا أنَّها تُعدُّ أكثر شيوعاً بين النِّساء اللَّواتي في سن الأربعينات والخمسينات.
  • التعرَّض للضَّغط النَّفسيِّ:عدم السَّيطرة على الضَّغط النَّفسيِّ بشكلٍ جيدٍ تسهم في الإصابة بهذه المُتلازمة.

يُعدّ الشعور بالتَّعب المفرط عند بذل أيِّ مجهودٍ جسديٍّ أهم أعراض المُتلازمة المذكورة. ويكون هذا التَّعب شديداً ومعيقاً ولا يزول مع الرَّاحة أو النَّوم.

قد يزداد التعب سوءاً عند بذل أيِّ مجهودٍ جسديٍّ أو عقليٍّ. ويتصاحب التَّعب مع أعراض مُشابهة لأعراضالإنفلونزافضلاً عن فقدان الطَّاقة اللَّازمة للقيام بالمهام اليومية. وقد وجد الباحثون أنَّ مصابي هذه المُتلازمة يكون لديهم استجابةٌ فيسيولوجيةٌ لممارسة الرِّياضة والنَّشاطات بشكل عام تختلف عمّا هو الحال لدى غير المصابين.

فأعراض هؤلاءِ المصابين تزداد سوءاً ويشعرون بإرهاقٍ مفرطٍ بعد القيام بأيِّ مجهودٍ. وقد تَظهر هذه الاستجابة بعد ما يصل إلى 24 ساعة من القيام بالمجهود وتستمر لعدة أيامٍ، أو أنَّها تفضي إلى حدوث انتكاسةٍ قد تستمرُّ لأسابيع أو أشهر أو حتى لسنوات، وذلك بناءً على نوع ودرجة المجهود المبذول.

وبما أنَّ هذه المُتلازمة تُعدُّ مركَّبة، فهي تؤثِّر على العديد من أجهزة الجسم. وتتضمن أعراضها الآتي:

  • الألم في الرَّأس أو العضلات أو المفاصل:ولا يتصاحب ألم المفاصل في هذه المُتلازمة مع احمرارٍ أو انتفاخٍ، كما وأنَّه ينتقل من مفصل لآخر.
  • هبوط ضغط الدَّموالدُّوار واضطراب التَّوازن:بالإضافة إلى تسارع ضربات القلب والخفقان عند الوقوف أو القيام بأي مجهود.
  • الألم في العقد اللِّيمفاويَّة:وذلك عند اللمس مع أعراض مشابهة لأعراض الإنفلونزا متصاحبة مع ألمٍ في الحلق.
  • مشاكل في الذَّاكرة والتَّركيز:بالإضافة إلى التِّفكير والبصر والنَّوم.
  • التغيرات المناخية:عدم القدرة على تحمل تغيرات درجات الحرارة.
  • الحساسية للصَّوت:إلى جانب والضُّوء واللَّمس والرَّائحةِ.
  • الحساسيِّة للمواد الكيماوية:والأدوية وحتى الأطعمة.
  • التغيرات في الجهاز الهضميِّ:منهاالإسهالوالإمساكوالغثيان والانتفاخ.
  • المشاكل في الجهاز البولي.
  • حدوث تغيرات في الوزن:إما من حيث الزِّيادة أو النُّقصان.
  • التعرق اللَّيلي والقشعريرة.
  • المشاكل النَّفْسية:منها القلقوالاكتئابوالتغيُّرات المزاجيَّة.

ويُذكر أنَّ شدَّة الأعراض قد تتغير من يومٍ إلى آخر أو حتى من ساعةٍ لأخرى.

يُعدُّ تشخيص المُتلازمة المذكورة أمراً معقداً، وذلك لعدَّة عوامل، منها الآتي:

  • الشُّعور بالتَّعب وغيره من أعراض هذه المُتلازمة يُعدُّ شائعاً بين أمراضٍ كثيرةٍ.
  • قد لا يظهر لدى الطَّبيب بأنّ الشَّخص مصابٌ بأيِّ مرض، وذلك كون هذه المُتلازمة تتَّسم بخمود الأعراض وانتكاسها من وقتٍ لآخر.
  • عدم وجود علاماتٍ حيويَّةٍ أو فحصٍ مخبريٍّ لها.
  • اختلاف الأعراض من حيث الشِّدة والعدد والنَّوع بين كل مصابٍ وآخر أو حتى لدى المصاب نفسه من وقت لآخر.

وبما أنه لا يوجد فحص دمٍ أو مخبري أو حتى تصوير مسحي لتشخيص هذه المُتلازمة، فيجب على الطَّبيب التأكد من عدم وجود أمراضٍ أخرى مسببة للأعراض قبل الشروع في التَّشخيص.

كما وأنَّه على الطَّبيب إجراء الخطوات الآتية للوصول للتَّشخيص الصَّحيح:

  1. أخذ التَّاريخ المرضي للمصاب، ويجب أن يكون هذا التَّاريخ مفصلاً ويحتوي على قائمة الأدوية المستخدمة الّتي قد تكون مسببةً للأعراض.
  2. عمل فحصٍ شاملٍ للحالة العضويَّة والنَّفسيّة للمصاب.
  3. إجراء الفحوصات المخبريَّة، وذلك للتَّأكد من عدم وجود سببٍ آخر للأعراض.
  4. متابعة الفحوصات الَّتي أجريت.

يحتاج تشخيص هذه المتلازمة إلى أن يكون الشَّخص قد أصيب بالتعب لمدة 6 أشهر أو أكثر وأن يكون لديه 4 من الأعراض ال 8 المذكورة آتيا:

  • الشُّعور بالتِّعب بعد القيام بأي مجهود، وذلك التعب يستمر لمدةٍ تزيد عن 24 ساعة.
  • عدم الحصول على ساعات نومٍ كاف.
  • حدوث خلل جوهري في التِّركيز أو الذَّاكرة قصيرة المدى.
  • آلام العضلات.
  • الألم في عدَّة مفاصل دون احمرار أو انتفاخ.
  • صداع ذو نمطٍ وشدَّةٍ جديدة على المصاب.
  • الألم عند لمس العقد اللِّيمفاوية في العنق أو تحت الإبط.
  • ألم الحلق المتكرر.

أمَّا إن لم ينطبق ذلك على الشخص، ولا توجد أمراضٌ أخرى لتفسير الأعراض، فهو عندها يكون مصاباً بما يُعرف بالتعب مجهول السَّبب (idiopathic fatigue).

ويُذكر أنَّ من يتمُّ تشخيص هذه المتلازمة مبكرا لديهم عادةً ما تصبح أحوالهم أفضل ممن يتأخَّرون في الحصول على تشخيص، كما وأن وجود بيئةٍ داعمةٍ من العائلة والأصدقاء وغيرهم من الأشخاص يُساعد المصابين كثيراًٍ. أمَّّا وجود طبيبٍ متفهِّمٍ للحالة، فهو يعد أمراً ضرورياً للعلاج.

يهدف علاج هذه المُتلازمة إلى التَّخفيف من أعراضها. وبما أنَّ أعراضها تختلف من مصابٍ لآخر، فإن الخيارات العلاجيَّة تعتمد على كيفيَّة تأثيرها على المصاب.

وتتضمن الأساليب العلاجية المستخدمة الآتي:

  1. العلاج الدوائيّ للسيطرة على الألم واضطرابات النَّوم والغثيان:ومن ضمن العلاجات الدَّوائية التي تُستخدم في علاج هذه المتلازمة الأدوية المضادِّة للاكتئاب والأدوية المنوِّمة. فالعديد من مصابي هذه المتلازمة يكون أيضاً لديهم اكتئاب. فعلاج الاكتئاب يساعد المصاب على السَّيطرة على المشاكل التي تسببها المُتلازمة المذكورة. كما وأنَّ جرعاتٍ خفيفةً من أدويةٍ معيَّنةٍ من مضادات الاكتئاب تخفِّف الألم وتُساعد على الحصول على نومٍ كافٍ. أمَّا الأدوية المنومة، فيتمُّ اللُّجوء إليها في حالة فشل الأساليب الأخرى، والتي تتضمن تجنبالكافيينوالنَّوم في بيئة مريحة.
  2. العلاج ببرنامجٍ من التَّمارين الرِّياضيَّة يُعرف بالعلاج التمريني المتدرِّج:فلتحسين الأداء الجسديِّ اليوميِّ، تشير الدراسات إلى أنَّ هذا الأسلوب يعد آمناً وفعالاً، غير أنَّ الدلائل عليه لاتزال محدودة. ويُنصح بأخذ نصيحة معالجٍ طبيعيٍ لتحديد نوع التمارين المناسبة للشَّخص. وقد تبدأُ هذه التِّمارين بتمارين بسيطةٍ لدقائق محدودةٍ يومياً لدى الأشخاص غير المعتادين على النِّشاط. ويتمُّ بعد ذلك زيادة المدَّة خلال أسابيع إلى أشهر. أمَّا إن شعر المصاب بالإنهاك في اليوم التَّالي، فهذا يعني أنه قد قام بمجهودٍ كبيرٍ بالنِّسبة لحالته. لكنَّ قوة الشَّخص تزداد مع الوقت عندما يقوم تدريجياً بزيادة شدَّة التمارين.
  3. العلاج المعرفيِّ السلوكيِّ (Cognitive behavioural therapy [CBT]) وأساليب السَّيطرة على النَّفْس:فالحديث إلى معالج أو طبيب نفسيٍّ يُساعد المصاب على التَّعرف على ما لديه من إمكانيات للسيطرة على ما تضعه هذه المُتلازمة من حدودٍ له.

وتجدر الإشارة إلى أنَّ من لديهم مستوياتٍ منخفضةٍ منفيتامين (د)يكون لديهم شعورٌ مزمنٌ بالإرهاق. لذلك، فقد يلاحظ المصابون تحسناً في الألم عند أخذ مكملات هذا الفيتامين إن كان لديهم نقصٌ به. وعادة ما تتراوح الجرعة اليومية الموصى بها من 1000 إلى 4000 وحدةٍ دوليةٍ اعتماداً على شدَّة النقص.

أمَّا العلاجات البديلة الأخرى، فاستخدامها يعد شائعاً بين مصابي هذه المتلازمة، غير أنه ينقصها الدعم بالدلائل العلميَّة للتَّأكد من فعاليَّتها في العلاج.

ويذُكر أن معظم المصابين يشعرون بالتَّحسن مع الوقت، إلَّا أنَّ منهم من لا يصلون إلى شفاءٍ تامٍ. أمَّا الأطفال والمراهقين، فهم أكثر احتمالية للشِّفاء.

في بعض الأحيان، قد تمرُّ فترةٌ على المصاب تتحسن خلالها الأعراض التي لديه وأخرى تزداد سوءاً. ويكون المصابون الأكثر احتمالية للتَّحسن مع العلاج من لديهم تجاوب أكثر مع العلاج النَّفْسي ومن لا يجهدون أنفسهم بشكلٍ زائدٍ وبنس الوقت لا يعيشون بكسلٍ، وأيضاً من لديهم خلل أقل.

تتضمَّن المضاعفات التي قد تحدث لمصابي متلازمة التعب المزمن الآتي:

  • العُزلة الاجتماعية.
  • كثرة الغياب عن العمل.
  • الاكتئاب وظهور حدودٍ لممارسة نشاطات الحياة اليوميَّة.

"
شارك المقالة:
510 مشاهدة
هل أعجبك المقال
0
0

مواضيع ذات محتوي مطابق

التصنيفات تصفح المواضيع دليل شركات العالم
youtubbe twitter linkden facebook