في مقالة سابقة، الأسعار بلغت الذروة.. هل ينبغي الاستثمار في الذهب الآن؟ تناولنا فيها الأسباب التي أعادت الطلب على الملاذات الآمنة وعزَّزت موقف الذهب وجعلت من 2019 عام الذهب بامتياز . وقمنا بمحاولة الإجابة على ثلاث أسئلة محورية :

• لماذا قفز سعر الذهب أعلى 1400$ منذ عام 2013؟
• هل ستستمر موجة صعود الذهب؟
• هل ينبغي الاستثمار في الذهب الآن؟

ويبدو أن التحليل كان موفقا بحيث قفزت أسعار الذهب فوق 1500 دولار للأوقية، فقد ارتفع بأكثر من 7% أو أكثر من 100 دولار منذ بداية الشهر الحالي، وسط تصاعد التوترات التجارية وسلسلة من البيانات الاقتصادية المخيبة للتوقعات على مستوى العالم.

الذهب يسجل ثالث أسبوع من المكاسب

واصل الذهب الارتفاع منذ بداية شهر أغسطس متجاوزا مستوى 1500$، وأنهى الاسبوع الماضي كثالث أسبوع من المكاسب المتوالية، ليعود إلى الواجهة من جديد.

وفي حدث كان الأقوى من نوعه ، تراجع عائد سندات الخزانة الأميركية لأَجَل 30 عاماً إلى أدنى مستوى على الإطلاق، حيث شهد منحنى العوائد انقلاباً خطيراً حين انعكس منحنى العائد بين السندات ذات فترة استحقاق عامين و10 أعوام لأول مرة منذ نهاية 2005. ما يدق ناقوس إنذار بركود اقتصادي محتمل.

ويبدو أن المعدن النفيس استفاد من عدة عوامل دفعت المستثمرين إلى العزوف عن الأصول العالية المخاطر والاتجاه إلى الملاذات الآمنة. ومن أبرز العوامل التي عزَّزت موقف الذهب : مخاوف ركود اقتصاد محتمل، تدهور عوائد السندات ، وحالات عدم اليقين تلك بجانب المخاوف من الحرب التجارية بين الصين والولايات المتحدة التي طال أمدها في هز الأسواق المالية، ودفعت المستثمرين إلى أصول الملاذ الآمن. بالإضافة إلى حالة القلق المحيطة باحتجاجات في هونج كونج…

ما الذي يدفع أسعار الذهب؟

بشكل عام، يلعب الذهب أربعة أدوار أساسية في أية محفظة استثمارية: فهو الملاذ الآمن لحفظ القيمة وقت الاضطرابات المالية والأزمات الاقتصادية، ومصدر للعوائد طويلة الأجل، وأداة لتنويع الاستثمارات منخفضة المخاطر، وهو من الأصول السائلة الخالية من مخاطر الائتمان التي فاقت أداء العملات الورقية، ووسيلة لتعزيز الأداء العام لربحية المحفظة الاستثمارية.

إن أحد الأسباب الرئيسية الدافعة لأسعار الذهب، تمامًا مثل جميع السلع، هو حجم العرض والطلب. فإذا ارتفع حجم الطلب على الذهب ليفوق القدر المعروض، فإن أسعار الذهب سوف ترتفع، والعكس صحيح.

كما تتأثر أسعار الذهب بالسياسات النقدية والعوامل الجيوسياسية والكوارث الطبيعية وأيضًا الدولار الأمريكي. فالمخاطر الجيوسياسية تُعد بمثابة مُحركًا رئيسيًا للذهب. ففي أوقات الأزمات، تميل أسعار الذهب إلى الارتفاع. على سبيل المثال، إذا كانت هناك قضية سياسية حساسة، أو استفتاء أو حرب أهلية، فإنه يُمكن ملاحظة تأثير تلك العوامل على أسعار الذهب.

هل الاستثمار في الذهب مربح الآن؟

عندما تلوح بوادر تباطؤ عالمي، يفترض أن يتحوط المستثمرون بشراء أصول الملاذ الآمن مثل الذهب وسندات الخزانة الأميركي وعملات الدولار الأميركي والين الياباني والفرنك السويسري الين الياباني.

ويرى المراقبون أن أجواء التوتر الحاد التي تعتري الأسواق، من حروب تجارية مشتعلة إلى توترات جيوسياسية، إلى تباطؤ حاد ومنذر في نمو أغلب الاقتصادات الكبرى، كلها أمور تزيد من سرعة التوتر في الأسواق، وقد تتسبب في اضطرابات سوقية كبرى تُغذي الطلب على الملاذات الآمنة.

وبالرغم من الاطمئنان الذي سرى في الأسواق عقب الإعلان عن إرجاء الرسوم الأميركية على بعض الواردات من الإلكترونيات الصينية  حتى 15 ديسمبر المقبل. الأمر الذي دفع المعدن الثمين إلى تراجعات طفيفة، لكن على مايبدو أنه تراجع لفترة وجيزة في أسعار الذهب، لأن الحرب التجارية ما زالت مستمرة بين الولايات المتحدة والصين، فالولايات المتحدة ستمضي قدما في فرض رسوم جمركية جديدة ابتداء من الأول من سبتمبر على سلع صينية بقيمة 300 مليار دولار أميركي. ومحاولات القوتين الاقتصاديتين استئناف المفاوضات المتعثّرة بينهما لوضح حدّ لهذه الحرب التي تُهدّد الاقتصاد العالمي برمّته.

هل الاستثمار في الذهب مربح الآن؟ يبدو أن الإجابة باتت واضحة، فكل هذه العوامل التي ذكرناها تقدم الدعم للذهب في المستقبل المنظور، ويُرجِّج أن تدفع اسعاره إلى مزيد من الارتفاع.

* تنويه : إذا أراد أي شخص أن يستثمر أو يُجري تداولات على الذهب، فينبغي أن يأخذ في اعتباره العوامل المحركة لأسعار الذهب وأن يكون على دراية مستمرة بالمشهد السياسي العالمي.