محمد شاهين وقصة النجاح في الصين
محمد شاهين شاب مصري بدأ التخطيط لمستقبله مبكرا، إبان دراسته للحصول على شهادة الثانوية العامة، حيث بادر إلى تنفيذ مشروع كتابة مذكرات المدرسين، وبدأ بطبع ”كارت“ شخصي عليه اسمه وطرق الاتصال به ونبذة عن خدماته، ووزعه على كل المدرسين الذين قابلهم.
ما هي إلا فترة وجيزة حتى أصبح لديه قاعدة عملاء لا بأس بها، حتى أنه افتتح مكتبا صغيرا لخدمات الكمبيوتر بعدما ضاقت به غرفته ولم يسعه حاسوبه في بيته، وبدأ العملاء يطلبون كروت / بطاقات عمل ومن ورائها بعض المطبوعات والدعايات والإعلانات الأخرى، لكن كما ذكر محمد، فبسبب قلة الخبرة العملية والتجارية، حدثت بعض الخسائر المالية التي اضطرته لغلق هذا المكتب بعد فترة.
بعدها جاءت مرحلة الدراسة الجامعية، ورغم أن محمد من مواليد مدينة الزقازيق في محافظة الشرقية بمصر، لكن دراسته للخدمة الاجتماعية كان محلها في مدينة بورسعيد، وكان أن عمل أثناء دراسته الجامعية في مجالات عدة مثل المطاعم والكافتيريات، لكنه عاد مرة أخرى لمجال الطباعة حيث عمل بمثابة الوسيط بين العملاء والمطابع، وتمكن وقتها من تعلم تقنية الطباعة سيلك سكرين، حتى افتتح مكتبا آخر لمدة العام، ثم اضطر لغلقه مرة أخرى بسبب سوء التنظيم والإدارة – الأمر الذي جعله يحقق خسارة مالية أخرى، لكنه على الجهة الأخرى تعلم فنون التصميم بالكمبيوتر، وصنوف الإعلانات – المضيئة والواجهات، كما عمل بعدها في إدارة مقهى انترنت، حتى انتهت فترة الدراسة.
ثم خطرت له فكرة إصدار مجلة / نشرة غير دورية مجانية، بمساعدة مجموعة من أصدقائه والشركاء، حتى تمكن من إصدار عددين من مجلة آراء الشباب، وتكفلت جهوده في بيع الإعلانات بتغطية تكاليف أول عددين فقط، الأمر الذي اضطره للتوقف مرة أخرى، لغياب الممولين وغياب الإعلانات الكافية.
اطلبوا العمل ولو في الصين
انتقل بعدها للعمل كمصمم في مطبعة أخرى لأكثر من عام، وبعدها قرر دراسة فن التصميم بشكل احترافي، وبعدها ترك العمل واستمر بعدها – ولمدة تزيد عن ثلاثة أشهر – يبحث عن وظيفة مصمم جرافيكس في أي مكان بالعالم، عبر نشر سيرته الذاتية في كل مكان ممكن، حتى أنه عثر على عرض عمل من إحدى الشركات العربية العاملة في الصين. اقترض مبلغ تذكرة السفر، وحط رحاله في مدينة كوانزو في الصين في أكتوبر 2007 وكان معه وقتها 26 دولار بالتمام والكمال.
بداية غير موفقة لكن بدون يأس
كانت التأشيرة / الفيزا زيارة لمدة شهر ـ تصدر وتجدد من هونج كونج أو ماكاو، وتكفلت الشركة بالسكن، لكن العمل دام شهورًا ثلاثة، بينما الراتب جاء عن شهر واحد، حتى اضطر لترك الوظيفة ليبدأ مرة أخرى عمله الخاص، هذه المرة لم يكن يملك سوى 200 دولار، استثمرها في تصميم منشور دعائي كلفه 140 دولار، لكنه كذلك كان بمثابة شهادة ميلاد شركة شاهين للتصميم من البيت (وأما الشركة التي لم تدفع غير راتب شهر فقد أغلقت أبوابها بعدها).
البداية – مرة أخرى – من البيت
بدأ محمد العمل من البيت، ثم انتقل إلى مكتب ثم إلى آخر أكبر، حتى تحولت شركة شاهين للإعلانات إلى شركة صينية مرخصة في سجلات الحكومة الصينية، وبدأ بعدها التفكير في إنشاء موقع على انترنت يخدم غير الصينيين من أجل توفير بعض المعلومات عن الشركات والمنتجات الصينية، ويعرض كذلك مواعيد إقامة المعارض التجارية في ربوع الصين، وبعض المعلومات عن كيفية إدارة وأداء الأعمال التجارية في الصين.
هنا الصين
صحبت الموقع فكرة إنشاء مجلة باسم الموقع تصدر مصاحبة لمعرض كانتون – أكبر معارض الصين، مجلة عربية مجانية ملونة تحتوي على بعض المواد الإعلانية والمعلومات عن المعارض والشركات والمصانع والمنتجات الصينية، وأيضاً تحوي معلومات عن الشركات والمصانع العربية في الصين. صدر العدد الأول من المجلة في شهر أكتوبر من عام 2008 وصدر عددها الثاني في أبريل 2009، وتحالف الموقع مع معرض جينهان في العام الحالي، وحققت المجلة إيرادات في هذا العدد أكثر من ربع مليون رممبي عملة الصين أي حوالي 36 ألف دولار.
كانت هذه القصة حتى عام 2009، الآن يكمل محمد شاهين بقية تفاصيل قصته حتى اليوم:
لكن تجارة الملابس ليست مجال الخبرة
ثم بعد أن حصلت على أكبر دخل في حياتي وكوني بالصين أرض التجارة والتصنيع، كان حلمي أن أكون تاجرا يعمل المال لصالحي، فقررت استثمار مبلغ 20 ألف دولار تقريبا في محل لبيع الملابس استأجرته في أفضل شوارع مدينة كوانزو إلا أنني خسرت كل هذا المال على مدار أشهر قليلة لأسباب كثيرة أهمها أنني اخترت مجالا ليس بمجالي.
أثر هذا النشاط على عملي كمصمم وعلى مجلة هنا الصين بعض الشيء إلا أنني عدت للتركيز عليها مرة أخرى واستعدت مكاني في السوق وأصدرت عددا جديدا من المجلة كونها كانت كل 6 أشهر يحمل الكثير من الأفكار المبتكرة مثل ابتكار شخصية ( ابن بطوطة ) في تخيل درامي للاماكن التي كان سوف يزورها في مدينة كوانزو اذا زارها في هذا التوقيت ويتخلل الأحداث بعض الاعلانات للشركات اضافة لابتكار غلاف جديد للمجلة ساعد في رفع دخل المجلة بشكل ملحوظ واشتركت بها في بعض المعارض وقامت قناة cctv الاخبارية المملوكة للدولة الصينية بإجراء حوار معي داخل مكتبي
مجلة شهرية = خطأ فادخ
إلا أنني اتخذت قرارا خاطئا مرة أخرى بجعلها مجلة شهرية بدلا من نصف سنوية وكانت ضربة قاسية أدت إلى تبخر كافة الإيرادات على طباعة وتوزيع المجلة مع قلة عدد المعلنين ومررت بعدها ولأكثر من عام بحالة مادية تشبه تماما الظروف التي كنت فيها قبل سفري من مصر.
نشاط مكمل للنشاط الأساسي – بذور نجاح
في هذا التوقيت كانت شركة شاهين تعمل في مجال التصميم الفني وبعض المطبوعات الخاصة بالزبائن وأضفت لنشاطها الهدايا الدعائية كالطباعة على الأقلام والتيشرتات وغيرها من الأصناف. كنت أفكر جديا في استئجار مكتب لهذه الجزئية من النشاط بهدف التوسع فيها أكثر، لكن الايجارات كانت باهظة في الأماكن المناسبة لفكرة مثل هذه.
في إحدى الأيام، كنت مع صديق لي في أشهر منطقة عربية في كوانزو ( شاوبي لو ) وأصر صديقي أن اذهب معه للحلاق في الطابق الخامس في ذلك الوقت. كنت مستاءً من ذهابي معه في الحقيقة، حيث أنه لا توجد حاجة لوجودي هناك، لكن عندما دخلت للصالة وجدت الكثير من العرب الذين اختاروا هذا الحلاق كونه قائما في المنطقة العربية من المدينة في الصين .
هل أغامر بكل شيء من جديد ؟
في هذه الليلة لم أستطع النوم من كثرة التفكير. في صباح اليوم أرسلت مديرة مكتبي في هذا الوقت لهذا المبني ووجدت مكتبا صغيرا جدا في الطابق السادس متاحا للإيجار بسعر رخيص. في هذا الوقت كنت أمتلك 10 آلاف رممبي (يعادل 1500 دولار) تقريبا تكفي بالكاد لاستئجار المكان فأخذت قرار الاستئجار وفي المساء وقعت مشاجرة بيني وبين زوجتي كيف أصرف كل المال الذي نملكه!
حين يأتي الفرج في أول يوم
افتتحت المكتب في خلال أيام معدودة، وعوضني ربي بطلبية في يوم الافتتاح ربحها 1500 دولار وهو المبلغ الذي استثمرته كاملا في هذا المحل. بعدها بدأ حجم العمل يتغير من مجرد التصميم والتنفيذ إلى تنفيذ الطلبيات الكبيرة والأعداد الضخمة واعتمدت على افضل سياسات البيع والتسويق وخدمة ما بعد البيع واكتسبت شهرة في المدينة واستطعت أن افتتح فرعا ثانيا وثالثا للشركة وافتتحت مع أخوتي في بمصر مطابع شاهين في مدينة العاشر من رمضان وبناء مصنع متميز في مصر.
عودة إلى الأخطاء والقرارات غير المدروسة
كانت اخطائي تكمن في تسرعي في اتخاذ قرارات غير مدروسة مثل التوسع غير المدروس ( التعلم بطريقة المحاوله والخطأ ) حيث كان يدور في خاطري إنشاء راديو للجالية العربية في الصين. فكرة راودتني طويلا حتى شرعت في تنفيذها في 2013 بافتتاح راديو ( هنا الصين ) وبعدها بأشهر قليلة من النجاح قمت مع مجموعة من الشركاء بإنشاء قناة تليفزيونية بذات الاسم وكان معنا شريك صيني وبعد استئجار مقر مميز وشراء الكاميرات وتجهيز الحلقات في ستوديو خاص بنا والاتفاق على موعد البث وكانت التكلفة بالملايين في هذا الوقت إلا أن نفوس الشركاء تغيرت ففضلت التخارج من المشروع كاملا متنازلا عن كافة حقوقي الأدبية والفكرية لأصدقائي وأكملوا بعدها هم القناة تحت اسم آخر.
ارتداد للمسار الصحيح
في هذه الفترة ولبعدي عن نشاطي الأساسي (الهدايا الدعائية) وقعت في أزمة مالية قاتلة اضررت بسببها إلى تقليل مصاريفي وأغلقت الفرع الثاني والثالث واكتفيت بالمقر الأساسي لفترة قصيرة، استطعت بعدها أن أعود كما كنت وعاد العملاء كما كانوا وبشكل أكبر فقمت بتوسعة المقر الاساسي ليكون أكبر صالة عرض للهدايا الدعائية بالصين بلا مبالغة.
بعدها افتتحت مصنعا لطباعة وتصنيع الهدايا الدعائية في كوانزو وأصبحت منافسا قويا من حيث السعر في السوق الصيني وأصبحت المكاتب العربية بالصين (من خلال عملائهم) هم أكبر شريحة من عملائي لتوافر السعر والجودة والثقة والخبرة في المطبوعات وماكينات الطباعة ومستلزماتها.
كتاب وتطبيق
لطالما راودني حلم تأليف كتاب عن الصين وخبرتي فيها، بدأت في كتابته منذ 2010 إلا أنني لم أجد الفرصة لإنهاء الكتاب إلى أن خرج للنور في عام 2016 وطرحته على موقع لولو للنشر
كذلك قمت بدخول عالم تطبيقات الهاتف النقال / الجوال بإصدار تطبيق حمل اسم هاو ماتش آب يتيح الحصول على عروض أسعار من المصنعين ومقارنتها خلال المحادثة المباشرة.
نصيحة في الختام – التخصص
على مدار 10 أعوام تقريبا في الصين و18 عاما من عملي في مجال المطبوعات، أنصح الجميع بأهمية التخصص والاستثمار في مجال تخصصك وعدم خوض اي استثمارات جديدة بعيدا عن مجالك إلا بعد دراسات محكمة والتوفيق من عند الله عز وجل.