علم الاقتصاد من العلوم المرنة والتي لا تكف عن التطور وتطوير نفسها باستمرار، وهو إما يفعل ذلك عبر اجتراح طرق جديدة تمامًا، أو ربما من خلال دمج عطاءات العلوم والمعارف المختلفة معه، ومن بين أبرز تجليات هذه القضية: الاقتصاد الهندسي ، ذاك الذي هو عبارة عن نتاج المزاوجة بين الاقتصاد والهندسة.
بما أن الهندسة علم دقيق، ويتسم بالقدرة على الإتيان بحلول عملية وواقعية لمشكلات واقعية وراهنة، كان من المهم أن يتم دمج هذا العلم مع علم الاقتصاد ونظرياته وطرائقه المختلفة لتكون النتيجة النهائية هي الاقتصاد الهندسي.
الاقتصاد الهندسي كمفهوم شأنه شأن المفهومات والمصطلحات الأخرى يختلف تعريفه من عالم إلى آخر ومن متخصص إلى آخر، لكننا سنحاول هنا أن نجمع شتات التعريفات الكثيرة لهذا المفهوم؛ كي نتمكن من تقديم تعريف شامل لهذا المصطلح العام.
يمكن القول، بداية، إن علم الاقتصاد الهندسي، المعروف سابقًا باسم الاقتصاد الهندسي، هو عبارة عن تخصص فرعي من علم الاقتصاد العام، يهتم ويعنى بتطبيق المبادئ الاقتصادية في تحليل القرارات الهندسية والعكس، أي جلب الاقتصاد إلى الهندسة، والاستفادة من المناهج والطرق الهندسية في حل المشكلات الاقتصادية.
يركز هذا الفرع الاقتصادي الجديد، كذلك، على مجالات الاقتصاد الجزئي؛ إذ إنه يدرس سلوك الأفراد والشركات في اتخاذ القرارات المتعلقة بتخصيص الموارد المحدودة. وبالتالي، فهو يركز على عملية صنع القرار وسياقها وبيئتها.
لكنه، وعلى الرغم من ذلك، لا يعدو كونه تطبيقًا مبسطًا لنظرية الاقتصاد الجزئي؛ لأنه يتجنب عددًا من مفاهيم الاقتصاد الجزئي: مثل تحديد الأسعار، والمنافسة، والعرض والطلب.. إلخ.
وإذا كان هذا الاقتصاد الهندسي، من حيث الأصل، مرتبط بالهندسة، فإنه يرتبط ارتباطًا وثيقًا، كذلك، بفروع أخرى مثل: الإحصاء، والرياضيات، ومحاسبة التكاليف وغيرها، ويستند إلى الإطار المنطقي للاقتصاد ولكنه يضيف إلى ذلك القوة التحليلية للرياضيات والإحصاء.
وإذا كان هذا الفرع الاقتصادي الحديث، نسبيًا، ابنًا للهندسة، فإنه يتطلب أيضًا، تطبيق مبادئ التصميم والتحليل الهندسي؛ لتوفير السلع والخدمات التي ترضي المستهلك وبتكلفة معقولة، علاوة على أنه يحدد الفوائد والتكاليف المرتبطة بالمشاريع المختلفة؛ لتحديد ما إذا كانت توفر ما يكفي من المال لضمان استثماراتها الرأسمالية.
وطالما أن هذا الاقتصاد يتوافق بشكل كبير مع الاقتصاد الجزئي، فمن المحتم القول كذلك إنه مكرس لحل المشكلات واتخاذ القرارات على المستوى التشغيلي. وبالتالي، تشير اقتصاديات الهندسة إلى جوانب الاقتصاد وأدوات التحليل الأكثر صلة بعملية اتخاذ القرار للمهندس.
قبل أن ننتقل إلى تحديد خصائص هذا الفرع الاقتصادي الحديث، يتعين علينا الإشارة إلى أن ميزته الأساسية تكمن في حل المشكلات بشكل عملي وواقعي ومدروس، اعتمادًا على عطاءات ونظريات الهندسة، وهو أمر لم يكن لأحد أن يساعد فيه بأفضل مما قد يفعل المهندسون.
فهم مخططون وبناة في ذات الوقت، ناهيك عن كونهم حلالي مشكلات، ومدراء وصانعي قرار، هذه الصفات بالضبط هي التي دفعت الاقتصاد للاستفادة من عطاءات الهندسة، وجلبها إلى الاقتصاد.
وعلى أي حال سنحاول الإشارة إلى أبرز خصائص الاقتصاد الهندسي، اعتمادًا على الطرق السابقة، وذلك على النحو التالي: