يعتبرالبكاءأوَّل اتصال شفهي للطفل مع محيطه، إذ يمثِّل لغة التواصل التي يعبِّر الطفل من خلالها عن حاجة أو رسالة ملحَّة، إذ يُعدُّ الصوت وسيلة الطبيعة من أجل ضمان استجابة الكبار للطفل في أسرع وقت ممكن، فمن الطبيعي أن يبكي الرضيع عند شعوره بأيٍّ من الجوع أو العطش أو التعب أو الوحدة أو الألم، كما أنَّه من الطبيعي أيضاً شعور الطفل بالانزعاج والتهيُّج خلال فترة المساء، وعادة ما يبكي الأطفال الرضّع ما يقارب ساعة إلى 3 ساعات في اليوم، إلا أنَّ بكاء الطفل الرضيع المستمر أو نوبات بكاء الرضيع أو كثرة بكاء الطفل الرضيع قد تشير إلى وجود مشكلة صحِّية لدى الرضيع تحتاج إلى عناية ورعاية.
إنَّ الأطفال الرضّع يبكون لأسباب عدَّة،وفي معظم الأحيان لا يكون البكاء نتيجة لوجود مشكلة طبِّية،وبالنظر إلى أنَّ الطفل الرضيع يعتمد كلِّياً على والديه لتوفير احتياجاته المختلفة من الطعام والراحة والدفء فيمكن القول إنَّ البكاء يمثِّل استجابة طبيعيَّة كما تمَّت الإشارة أعلاه، فهو الوسيلة التي يستخدمها الطفل الرضيع لطلب الانتباه والرعاية وإخبار الآخرين باحتياجاته المختلفة، ومع ذلك فقد يشعر الآباء بكمٍّ هائل من الإجهاد والقلق في حال بكاء الطفل الرضيع بشكل متكرِّر، كما قد يشعرون بالإحباط في حال عدم قدرتهم على تهدئة الطفل الرضيع وتحديد سبب بكائه، وغالباً ما يتساءل الوالدان للمرَّة الأولى عن مدى قدرات الأبوة والأمومة لديهم إن لم يكن الطفل الرضيع مرتاحاً،وحقيقة يمكن للتعرُّف على الأمور التي تسبِّب الإزعاج للأطفال أن تساعد في تهدئته.
قد يبكيالطفل الرضيعدون سبب واضح بدءاً من عمر أسبوعين تقريباً وقد تصعب تهدئته حينها، وحقيقة يعاني العديد من الأطفال الرضّع من وقت خلال اليوم يشعرون فيه بالتعب والتهيُّج، والانزعاج وعدم الراحة، وغالباً ما يكون ذلك خلال فترة ما بعد الظهيرة إلى وقت مبكِّر من المساء، ويحتاج الطفل الرضيع خلالها إلىرعايةإضافيَّة، لذلك إنَّ بكاء الطفل الرضيع حينها يعتبر كسلوك طبيعي للتخلُّص من توتُّره جراء نشاطه طيلة اليوم، وعلى الرغم من أنَّ هذا السلوك طبيعي إلا أنَّه يمكن أن يكون مرهقاً للغاية بالنسبة للوالدين، وفي الواقع قد تستمرُّ نوبات بكاء الطفل فترة زمنيَّة تتراوح من ساعتين إلى ثلاث ساعات، ويجدر العلم أنَّ الطفل الرضيع قد يستمرُّ في البكاء بغضِّ النظر عن مدى الراحة الممنوحة له، وفي حال القدرة على تحديد نُسق ونمط بكاء الطفل الرضيع فيمكن أن يساعد حمل الطفل الرضيع قبل بدء نوبة البكاء المتوقَّعة وبعدها على أن يؤتي ثماره، وتجدر الإشارة إلى أنَّ معدَّل بكاء الطفل الرضيع يبلغ ذروته عند بلوغه 6 أسابيع من العمر، بحيث يقلُّ هذا المعدَّل تدريجيّاً مع نضوج الجهاز العصبي للطفل، ومما لا شكَّ فيه أنَّه في حال أصبح الوالدان أكثر قدرة على التعرُّف على احتياجات طفلهما وتلبيتها، أما في حال توتُّر الأجواء العائليَّة أو توتُّر مقدِّم الرعاية للطفل، فقد يؤدِّي ذلك إلى ازدياد نوبات بكاء الطفل الرضيع.
يُعدُّ الجوع أحد الأسباب الأكثر شيوعاً لبكاء الطفل خاصَّة الطفل حديث الولادة، فقد يكون البكاء علامة متأخِّرة تشير إلىجوع الطفلالرضيع الذي قد يكون شديداً، كما قد يكون الطفل الرضيع حينها يشعر بالإحباط نتيجة لذلك، بحيث قد يكون من الصعب تهدئة الطفل الرضيع، وفي حال كان الأمر متفاقماً بحيث كان الطفل الرضيع مجهداً أو متوتِّراً فقد يكون من الصعب إرضاعه، ويجدر العلم أنَّ البكاء يستهلك الكثير من طاقة الطفل الرضيع، وعليه قد يصعب عندها إرضاعه، وكلَّما كان الطفل أصغر سنّاً زادت احتماليَّة أن يكون بكاؤه نتيجة للجوع، إذ إنَّ معدة الطفل الرضيع تكون صغيرة الحجم بحيث لا تستطيع تحمُّل الكثير من المحتويات، وعليه لن يستغرق الطفل الرضيع وقتاً طويلاً قبل أن يطلب تناول الغذاء مرَّة أخرى، ولذلك في حال إرضاع الطفلرضاعة طبيعيَّةفيمكن للأم أن تستجيب له في هذه الحالة وتجربة إرضاعه عند بكائه، حتى وإن لم يكن قد مضى على إرضاعه الأخير فترة طويلة، ويعرف هذا بالتغذية المتجاوبة (بالإنجليزية: Responsive feeding)، وحقيقة إنَّ الطفل الرضيع يُعلم الأم بشعوره بالشبع عند توقُّفه عن الرضاعة وشعوره بالرضى والراحة، بحيث يبعد نفسه عن الثديين، أما في حال اعتماد الطفل الرضيع علىالحليب الصناعي(بالإنجليزية: Formula Milk) فقد لا يحتاج الطفل إلى شرب المزيد من الحليب لمدَّة ساعتين على الأقلِّ بعد آخر وجبة له، مع التنويه إلى أنَّ استجابة الأطفال الرضّع تختلف من رضيع إلى آخر، وتجدر الإشارة إلى أنَّه في حال عدم إنهاء الطفل الرضيع لوجبته باستمرار، فقد يكون يفضِّل شرب الحليب الصناعي بكمِّيات قليلة وعلى فترات متفاوتة، وفي هذه الحالة يُنصح بتقديم وجبة أخرى له في وقت آخر، ومع أنَّ الطفل عند إرضاعه قد لا يتوقَّف عن البكاء على الفور إلا أنَّه يجدر الاستمرار في إرضاعه في حال رغب الطفل الرضيع بذلك، وإنَّ الأم تحتاج إلى بذل قصارى جهدها لإرضاع الطفل قبل أن يبدأ بالبكاء خاصَّة إذا كان مستيقظاً.
قد يكون السبب الكامن وراء بكاء الطفل الرضيع هو حاجته إلىالنوم، إذ قد يحتاج الطفل الرضيع إلى والديه من أجل وضعه في وضعيَّة نوم مريحة، والتي قد تتمثَّل بتقميط (لفِّ) الطفل (بالإنجليزية: Swaddling)، ومن ثم وضعه على ظهره للنوم، وقد يشعر الرضّع بعدها بالانزعاج والتهيُّج قليلاّ، إلا أنَّه بعد ذلك ما يلبث أن يخلد إلى النوم.
يعرَف مغص الرضَّع (بالإنجليزية: Baby colic or Infantile colic) غالباً باستخدام "قاعدة الثلاثة"، والتي تشير إلى بكاء الرضيع الذي يتمتَّع بتغذية وصحَّة جيِّدتين لأكثر من ثلاث ساعات في اليوم ولأكثر من ثلاثة أيام في الأسبوع، ولأكثر من ثلاثة أسابيع،ويعاني الطفل الرضيع حينها من احمرار الوجه، وقد يكون بطنه منتفخاً وتكون قدماه متقاربتين، وعادة ما يحدث ذلك خلال الشهر الأوَّل من الولادة، وعادة ما يتوقَّف من تلقاء نفسه مع بلوغ الطفل الرضيع الشهر الثالث أو الرابع من عمره، وقد تكون نبرة صوت بكاء الطفل الرضيع أعلى من المعتاد، وإنَّ السبب الكامن وراء حدوث المغص غير واضح حتى الآن، فقد يعتقد البعض أنَّه يحدث نتيجة عدم قدرة الطفل الرضيع على هضم الطعام، أو نتيجة حساسيَّة الطعام، وفي الواقع قد يترتَّب علىمغص الطفلالرضيع شعور الوالدين بالحزن، ويمكن أن يكون مقلقاً للآباء أثناء نوبات البكاء، وتجدر الإشارة إلى ضرورة طلب الوالدين للمشورة الطبِّية في حال استمرَّ الطفل الرضيع في البكاء لفترة طويلة وذلك للتأكُّد من عدم وجود مشكلة خطيرة.
يبدأ معظم الأطفال الرضّعبالتسنين(بالإنجليزية: Teething) في المرحلة العمرية التي تتراوح ما بين الشهر السادس والشهر الثاني عشر من عمر الطفل الرضيع، وعادة ما يبرز الضرس (الطاحونة) (بالإنجليزية: Molar) الأخير للطفل خلال السنة الثالثة من عمره، وحقيقة قد يُسبِّب اندفاع الأسنان عبر اللثة بمعاناة الطفل الرضيع من الآلام، بحيث يؤدِّي ذلك إلى بكاء وتهيُّج الطفل الرضيع واستيقاظه من النوم أثناء الليل، وقد يؤدِّي اندفاع الأسنان وانتفاخ اللثة المترتِّب عليه إلى معاناة الطفل من ارتفاع في درجات حرارته، إلا أنَّ الأكاديميَّة الأمريكيَّة لطبِّ الأطفال (بالإنجليزية: American Academy of Pediatrics) تحذِّر من أنَّ التسنين لا يرفع عادة درجة حرارة الجسم بما يكفي لاعتبارها حُمَّى، أي 38 درجة مئوية فأكثر، لذلك فإنَّ ظهورالحُمَّىعلى الطفل الرضيع يستدعي مراجعة الطبيب
يمكن أن يعاني الطفل الرضيع منحساسيَّةتجاه بعض الأطعمة في النظام الغذائي الخاص بوالدته، أو تجاه أحد مكوِّنات تركيبة حليب الرضع الصناعي الذي يشربونه، إذ إنَّ العديد من الأطعمة التي تتناولها الأم لها تأثير مباشر على مكوِّنات حليبها، بما في ذلك الحليب والبيض والمكسرات والقمح، وفي الواقع يمكن أن تتسبَّب هذه الأطعمة في بعض الأحيان بحدوث تفاعلات غذائيَّة ومشكلات فيالجهاز الهضميلدى الطفل الرضيع مثل آلام البطن، والتشنُّجات، والإسهال، ومن جانب آخر قد يعاني الرضيع من حساسيَّة تجاه البروتين الموجود في تركيبات حليب الرضَّع المحتوية على حليب البقر (بالإنجليزية: Cow's milk-based formulas) أو منتجات الألبان التي تستهلكها الأم في حالات الرضاعة الطبيعيَّة، إذ قد تُسبِّب الحساسيَّة تجاه البروتين الموجود في حليب البقر تهيُّج وانزعاج الطفل الرضيع إضافة إلى وجود دم في البراز، وتجدر الإشارة إلى أنَّ ما يعرفبعدم تحمُّل اللاكتوز(بالإنجليزية: Lactose intolerance)؛ وهو نوع من السكر الموجود في حليب الأبقار له تأثير ضئيل أو معدوم على حدوث المغص لدى الرضيع، وفي الواقع يمكن الاشتباه بوجود حساسيَّة لدى الطفل الرضيع تجاه الأطعمة في حال بكاء الطفل الرضيع أو بصقه كمِّية كبيرة مما تناوله في غضون ساعة من الرضاعة، أو في حال كان الطفل الرضيع يعاني من الإمساك أو الإسهال، وتجدر الإشارة إلى أعراضحساسيَّة حليب الأبقاروالتي تتضمَّن المعاناة منالإكزيما(بالإنجليزية: Dermatitis or Eczema) أو الصفير أثناء التنفُّس، أو الإسهال أو القيء، ومن الجدير بالعلم أنَّ على الأمهات المرضعات الحدَّ من استهلاكالكافيين؛ وذلك نظراً لأنَّه يعتبر من أحد أنواع المنبِّهات التي قد تُسبِّب زيادة بكاء الطفل الرضيع وصعوبة في نومه.
إضافة إلى ما سبق، يمكن التطرُّق إلى العديد من الأسباب الأخرى التي قد تؤدِّي إلى البكاء المستمرِّ للطفل الرضيع فيما يأتي:
إنَّ بقاء الأم مسترخية قد يساعد علىتهدئة الطفل الرضيع، لذلك يمكن للأم أخذ قسط من الراحة عند التمكُّن من ذلك، فكما تمَّت الإشارة في المقال أعلاه إنَّ توتُّر مقدِّم الرعاية للطفل قد يؤدِّي إلى ازدياد نوبات بكاء الطفل الرضيع،وعلى الأم أن تتذكَّر أنَّ هذه المرحلة هي مرحلة مؤقَّتة، وفي الحقيقة تبلغ نوبات البكاء ذروتها في الغالب في الفترة الزمنية 6-8 أسابيع من عمر الرضيع ثم تنخفض تدريجيّاً، وفي حال كان بكاء الطفل الرضيع يُفقد الأم السيطرة على نفسها أو على الوضع فيمكن للأم ترك الطفل الرضيع والذهاب إلى غرفة أخرى لاستجماع نفسها، كما تستطيع الأم في هذه الحالة طلب العون من أفراد العائلة أو الأصدقاء إذا لزم الأمر.
"