ما هو أقصر طريق لاجتذاب القلوب
اذا تسبب شخص فى اغضابك فثرت عليه ,وصببت فوق راسه جام غضبك ,واسمعته ما يكره ,فقد ترتاح لذلك بعد ان ثأرت لنفسك من هذا الشخص ,ولكن ..ماذا عنه هو؟ هل فكرت فيما اصبح عليه ؟ هل كانت هذه هى الطريقة الصحيحة لأقناعه بوجهة نظرك ؟
يقول ( ودرو ويلسون )
اذا جئتنى مشهراً سلاحك , فلسوف اجرد لك الف سلاح , ولكن اذا أتيت قائلاً هلم لنتحاور , احتفيت بك , ومهما اختلفنا حينئذ فلن يجافى أحدنا الاخر
وهذا كلام صحيح , فأسباب الاتفاق دائماً, اكثر من نقاط الخلاف,وكل انسان يطلع الى تبادل الرأى مع مخالفه,من خلال الحوار الهادىء عليه ان يتحلى بالصبر.. والاخلاص والرغبة الحقيقية فى ايجاد أرضية مشتركة,ولاشك أنه اذا فعل ذلك توصل الى اتفاق مع غيره
هذه الحقيقة البسيطة أستوعبها ( جون روكفلر_الابن )
ففى عام 1915 اضرب عمال مناجم الفحم والوقود التى كان يمتلكها,واعتبر البعض ان هذا الاضراب اعنف اضراب شهدته الولايات المتحدة,حيث استمر الاضراب مدة عامين,عم فيها الشغب , مما جعل الشرطة تتدخل,وتطلق النار على العمال المضربين,حيث سقط عددمن الجرحى من بين العمال,ومن بين رجال الشرطة ايضاً
كان العمال قد اضربوا لأنهم شعروا أن أجورهم متدنية,وانه ينبغى زيادة تلك الاجور,وقد استنكر (روكفلر) أساليب الشرطة العنيفة,وسئم الامر,فأراد أن يستميل العمال المضربين اليه,وان يعمل على ايجاد حل وسط,فرأى أن يسعى للتفاهم مع قيادات هؤلاء العمال, فجمعهم معاً,ثم ألقى عليهم خطاباً حول مشاعر البغضاء والكراهية الى مشاعر الاعجاب والود,لدرجة أن العمال عادوا الى أعمالهم دون أن يتحدثوا بكلمة واحدة عن الأجور التى ثاروا من اجل زيادتها وكان ما جاء فى الخطاب ما يلى:
أيها الأعزاء ..
اننى اعتبر هذا اليوم من أسعد أيام حياتى,حيث اننى فخور بوجودى بينكم,ولعل هذا الاجتماع لو كان قد انعقد قبل أسبوعين لكنت أقف بينكم كالغريب,لاننى لم أكن أعرف الكثير منكم ,ولكن بعد قيامى بزيارتى فى بيوتكم ,والالتقاء بأسركم أضحيت الان التقى بكم باعتبارنا أصدقاء,وانه ليسرنى أن نتحاور معاً من أجل مصالحنا المشتركة,اننى أشعر الان ان ثمة رابطة قوية تشدنى اليكم,ولقد حضرت من أجلكم ومن أجلكم فحسب
لقد كان هذا نموذجاً رائعاً يحتذى به فى انهاء الخلافات بين الناس,ولو أن الرجل أصر على أرائه,وحاول أن يجادل العمال مستخدماً المنطق والارقام لأزدادت الامور صعوبة,ولما أفلحت الحجج المنطقية الا فى تصعيد الامور الى مدى لايعلمه الا الله
اذا وجدت الأخر قد امتلأ قلبه بالكراهية,فلا تحاول فرض ارادتك عليه مستخدماً المنطق والحجج البداهية,ولن يفرغ ما فى قلبه من خلا الضغط أو الاكراه,ولكن عليك أن تتوسل الى اقناعه وكسب وده ببسط يد المودة واللطف واستخلص الحكمة من تلك العبارة التى استشهد بها (لينكولن) ذات مرة حين قال:
ان نقطة من العسل تصيد من الذباب عدداً اكبر مما يصيده برميل من العلقم
فاذا أردت أن تكسب أحدهم الى جانبك أقنعه أولاً بأنك صديق حقيقى لا تحمل له الا المودة والاخلاص,وهكذا تكون (نقطة العسل) بدل أن تكون برميل من العلقم
وحين أضرب عمال شركة (هوايت موتورز)عن العمل فى مصانع الشركة نشر مدير الشركة اعلاناً فى صدر صحيفة شهيرة, يبدى فيه سعادته لهذا الاسلوب الراقى الذى انتهجه العمال من أجل تحقيق مصالحهم, والمح فيه الى انه أمر بعقد اجتماع عاجل لبحث مطالب العمال, ثم قام باهداء كل عامل أدوات لعبة (البيسبول), ودعا الجميع الى ممارسة تلك الرياضة فى الاماكن الفسيحة,كما استأجر لهم احدى القاعات ليمارس فيها من يريد رياضة (الجولف) ولقد فعل ذلك الاسلوب فعل السحر فى العمال , فلم يتعد اضرابهم اليومين , وعادوا بعدها الى اعمالهم
وكان(دانيال ويبستر) أشهر محامى فى الولايات المتحدة يتبع هذا الاسلوب فى مخاطبة القضاة, فقد كان يأتى بالحجج القوية, ولكنه يسبقها بعبارات مثل (ربما يحتاج الامر الى امعان الفكر ايها السادة ,والامر عائد الى هيئة المحكمة الموقرة) و(هل لكم أن تقدروا ذلك)و(لعلكم لا يخفى عليكم ان …)و(لا شك انكم تعلمون أن الطبيعة البشرية ..)و(اننى على يقين أنكم لم يفتكم هذا)
انها عبارات تشعر الاخرين بأهميتهم,وتبتعد عن التشكيك فيهم,فلم يكن أسلوبه به شبه الضغط ,أو فرض الارادة,او تذكير القضاة بمواد القانون كما لو كان يجهلوه
وانت ربما لست محامياً,وربما لن يعهد اليك بفض اضراب قام به العمال,لكنك ربما أحتجت لاقناع صاحب البيت بتخفيض الايجار,لذا أقرأ عليك القصة التالية..
أراد المهندس(ستروب) أن يدفع صاحب البيت الى تخفيض الايجار الذى يدفعه,رغم أنه كان يعرف مدى أستبداد هذا الرجل وعناده,وتصلبه فى الرأى
يقول:
عندما أردت سطرت رسالة لصاحب البيت,أخبره فيها بأننى سوف أخلى الشقة بمجرد حلول موعد انتهاء العقد,واننى كنت راغباً فى الاستمرار لمدة أخرى , لولا اننى كنت أتمنى أن يكون الايجار أقل من ذلك, كما قلت فى الرسالة:
اننى على علم أن أخرين طلبوا منك هذا الطلب,وانك رفضت تماماً,وقد أخبرنى بعض هؤلاء أن من الصعب اقناعك بمثل هذا الطلب,لذا فليس فى وسعى سوى اخلاءالشقة فى الموعد المحدد طبقاً لنصوص العقد,حيث أن امكانياتى المالية لا تسمح حالياً بأستمرارى
وحين تسلم الرجل رسالتى حضر الى بصحبة سكرتيره,وصافحنى بحرارة ثم أبديت له اعجابى بذوقه فيما يتعلق بالعمارة,واننى كنت أرغب فى الاستمرار عاماً أخر ,لولا ارتفاع الايجار,ويبدوا ان الرجل كان يستمع الى اطراء ذوقه للمرة الاولى من أحد المستأجرين,وأخذ يبث الى همومه ومشاكله مع باقى المستأجرين وأن احدهم بعث اليه برسالة مليئة بالشتائم وهدده أخر بفسخ العقد
وبعد أن بدت عليه الحيرة وجدته يقول:
اننى ليسعدنى التعامل مع مستأجر مثلك,يتحلى بالكريم الصفات,ثم عرض على من تلقاء نفسه تخفيض الايجار,لكن التخفبض لم يكن هو ما أنشده,فأخبرته أن ذلك الايجار لا يتناسب ايضاً مع امكانياتى المالية, فخفضه الى الحد الذى كنت أريده,ولم يلبث ان سألنى قبل انصرافه عما اذا كنت فى حاجه الى أية تعديلات جديدة فى الشقة او عن تجديد فى الطلاء او غيره
ولو اننى حاولت تخفيض الايجار بنفس الطرق التى يسعى بها المستأجرون الاخرون لما تمكنت من ذلك ولكننى استطعت ذلك من خلال الاسلوب الهادىء واشعار صاحب البيت بأهميته وأبديت له تقديرى التام واحترامى الكامل
وتلك تجربة أخرى ترويها احدى سيدات المجتمع المعروفات هى السيدة (دوروثى داى) حيث روت تلك التجربة لطلبة المعهد قائلة :
كنت أقيم مأدبة عشاء ضمت عدداًمن نجوم المجتمع فى كل مجال,لذا كنت حريصة على أن تسير المأدبة دون أن يعكر صفوها أى شىء لكن الامور لم تكن كما أردت
فقد فشل خادمى (اميل) فى اعداد قاعة الطعام مما أثار بعض الاستياء لدى عدد من المدعوين بسبب الارتباك الذى حدث وعندئذ امتلأت غضباً من هذا الخادم وقررت أن أوبخه توبيخاً شديداً بعد أن ينصرف المدعوون,لكننى تذكرت ما تعلمته فى المعهد,فتذكرت براعة الخادم فى اعداد الموائد ورأيت ان أعرف سبب اخفاقه هذه المرة
وحين علم اننى أتميز غيظاً مما حدث هرب الى منزله فذهبت اليه فلما رأنى أمامه علت على وجهه سحابة من الحزن وأطرق الى الارض لكننى بادرته قائلة:
اسمع يا (اميل)..لقد تأكدت فى الحفلة السابقة أنك طاه بارع لكنى واثقة أنك لا ترضى عما حدث ليلة الاربعاء عندئذ بدت أساريره تنفرج وأشرق وجهه ثم تبسم قائلاً:
أجل يا سيدتى اننى غير راضً عما حدث ولقد فشل الطهاة فى أداء واجبهم
عندئذ قلت له :
على أية حال لقد نويت اقامة مأدبة أخرى وانا اريدك ان تشرف عليها ولكن عليك متابعة مساعديك بعد أن تمنحهم فرصة جديدة على الأ يتكرر ما حدث
كانت المأدبة التالية على شرف الملكة (مارى)وكان الطعام رائعاً بلا جدال وقد زينت الموائد بالزهور وأنبعثت الموسيقى الهادئة وقام الخادم بالخدمة على أفضل وجه حتى أن احد الضيوف بادرنى قائلاً
انها مأدبة رائعة لقد كان الطعام شهياً لكم هو رائع هذا الطاهى اننى لم أتذوق أشهى من هذا
لذا فعليك اذا اردت أن تستميل الاخرين عليك بالقاعدة التالية:
(ليكن حديثك ودياً ودع عنك الغضب والعنف)