قصة مراهقة مصريّة تحوّل القمامة إلى وقود

الكاتب: وسام ونوس -
قصة مراهقة مصريّة تحوّل القمامة إلى وقود

 

 

قصة مراهقة مصريّة تحوّل القمامة إلى وقود

 
بدأ شغف عزّة فيّاض للعلوم عام 2010 خلال ركوبها سيّارة أجرة، حيث لمعت في ذهنها حينذاك فكرةً قد تحقّق مليارات الدولارات، عبر إنتاج الوقود الحيويّ من المواد البلاستيكيّة.
“كنتُ في أحد الأيّام أستقلُّ سيّارة أجرة وتوقّفنا لمّدة ساعة على الأقلّ بسبب زحمة السير الخانقة والحشود؛ فسألتُ السائق ‘ما سبب هذه الزحمة [هنا]؟’ فأجابني بسبب محطّة الوقود، فتعجّبت لم قد تسبّب محطّة وقود زحمةً خانقةً كهذه،” كما تقول فيّاض.
إثر ذلك، أيقَنَتْ الفتاة التي تبلغ من العمر 20 عاماً، الحجمَ الكبير الذي كانت عليه أزمة الطاقة المصريّة؛ فالنقص في الوقود الذي يعاني منه البلد أدّى إلى نشوء زحمةٍ حول محطّات الوقود، ما دفع بالسائقين إلى الوقوف في طوابير بانتظار إعادة تزويدهم بالوقود.
 
 
 
ولادة عالِم :
في الوقت الذي كانت فيّاض تبلغ من العمر 16 عاماً، بدأت تتعلّم حول الأنواع المختلفة من القمامة الموجودة في المدرسة، وأبرزها الورق والبلاستيك.
“شعرتُ كأنّه لم يكن لديّ فكرة جديدة لتقديمها فيما يخصّ الورق، فقررتُ استخدام البلاستيك”، تقول فيّاض شارحةً أنّ ما شجّعها أيضاً كان “الإمكانيّة الأكبر التي يتيحها البلاستيك، لأنّ مصدره الهيدروكربونات الذي بدوره يُعتبَر المنتَج الأوّلي في أيّ نوعٍ من الوقود.”
 
بالإضافة إلى ذلك، كانت فيّاض بحاجةٍ ماسّةٍ إلى فكرةٍ من أجل “مسابقة معرض العلوم الوطنيّة” National Science Fair competition في عام 2011، غير أنّها لم تكن تملك سوى بعض المعلومات المحدودة عن الكيمياء العضويّة. ولذلك، احتاجت للبدء من “الأساسيّات”، فتطلّبها الأمر مدّة أربعة أشهر لتتعلّم أشكال عمليّة التكسير.
 
وتقول في هذا الشأن: “لم نكن قد بدأنا بتعلّم هذه الدروس في المدرسة، فكان عليَّ القراءة بنفسي والبحث في مجلّات علميّة للتعلّم منها.”
ومن جهةٍ ثانية، تلقّت هذه الباحثة اليافعة المساعدة من ذويها اللذان شجّعاها لتكون عالمةً على الرغم من أنّهما ليسا كذلك، بالإضافة إلى مساعدة أستاذَي علوم على تطبيق الفكرة من خلال استخدام طرق علميّةٍ صحيحة.
 
تأسيس الفكرة :
عمل مع فيّاض أستاذ العلوم والمهندس والمرشد طارق فهمي مدّة ستّة أشهرٍ، لتطوير التجربة  لـ”مكتبة الإسكندرية” التي تقيم “معرض العلوم الوطنيّ” National Science Fair.
ويقول فهمي إنّ “الفكرة راودَت عزّة؛ فذهَبَتْ إلى المدرسة مع أولادي وطلبَت منّي مساعدتها في عمليّة البحث.” كما يتابع قائلاً: “علّمتُها كتابة الأبحاث وكيفيّة إجراء البحوث، فضلاً عن توفير المواد الأساسية التي تحتاجها لإجراء التجارب.”
 
لإجراء هذه التجارب، كانا بحاجةٍ إلى نوعٍ محّددٍ من “مفاعل الضغط العالي” high pressure reactor، والموجود في “معهد بحوث البترول المصري” Egyptian Petroleum Research Institute في القاهرة؛ لذا بدأَتْ فيّاض بتحضير أوراقها المطلوبة للوصول إلى المختبرات. وبعد حين، قامت “مكتبة الإسكندريّة” Alexandria Bibliotheca بإرسال رسالةٍ رسميّةٍ للمعهد تمنح فيها فيّاض الإذن ببدء تجاربها معهم.
وتقول فياض إنّ “جزءاً من برنامج المكتبة كان البحث عن المعاهد ومراكز الأبحاث التي بإمكانها مساعدة المتقدّمين، فتلقيّتُ رسالةً رسميّةً وإذناً يخوّلني البدء.”
 
 
 
تطبيق العلوم :
يقول مدير”معهد بحوث البترول المصري”، أحمد الصبّاغ، إنّه تمّ إنشاء فريقٍ من ذوي الخبرات لمساعدة فيّاض على وضع اللمسات الأخيرة على تجاربها.
 
كان مشروع فيّاض يقوم على إعادة تدوير البلاستيك عبر تكسيره، من خلال عمليّة التكسير التحفيزي catalytic cracking. وهذه العمليّة تستخدم صلصال الـ”بنتونيت الكالسيوم” calcium bentonite كمحفّزٍ لتكسير النفايات البلاستيكيّة كالأكياس البلاستيكيّة والعبوات وتحويلها إلى غازاتٍ تحتوي على الميثان والبروبان والإيثان. وبالتالي، يمكن عندها استخدام هذه الهيدروكربونات كمصدرٍ للوقود، كالغاز الطبيعي والبوتاغاز والإثانول.
 
خلال قيامها بالبحث، عثرَت فياض على بعض الدراسات التي استخدمَت الطين المحفِّز. وعندما توجّهت إلى “معهد بحوث البترول المصري” وجدَت التركيبات الكيميائيّة لهذا الطين المُحفِّز شبيهةً إلى حدٍّ كبير بالمحفّز المُستَخدَم لتحويل البلاستيك إلى وقود. وبعد دراساتٍ أعمق وإرشادٍ من المعهد، أدركَت فياض أنّ بنتونيت الكالسيوم لديه الخصائص الكيميائيّة ذاتها وقرّرَت استخدامه لوفرته وسعره الزهيد.
 
العمليّة بذاتها ليست بجديدة، ولكنّ فيّاض تقول إنّ نوع المحفّز سمح بحدوث العمليّة بدون انبعاث الغازات السامّة وفي درجة حرارة أقل؛ ما يعني توفير الطاقة والمال.
 
عام 2011، أعطى “معهد البترول للبحوث المصري” مكاناً خاصّاً لفياض لمدّة شهرٍ للقيام بالتجارب على أفكارها. وخلال مرحلة التجربة، عمل معها أستاذٌ جامعيٌّ ومرشدٌ آخر، هو ممدوح الملاوي.
 
في ذلك الوقت، كانت المدارس مغلقًة بسبب الانتفاضة المصريّة لعام 2011، لذلك تسنّى لها الوقتُ للعمل على المشروع خلال هذا الشهر. وبعد إعادة فتح المدارس وانتهاء الامتحانات، تمّ ترشيح فيّاض لـ”المسابقة الأوروبيّة للعلماء الصغار” European Young  Scientists competition، ومن ثمّ عادَت إلى “معهد البترول للبحوث المصري” لمتابعة تجاربها خلال صيف 2011.
 
طوال هذه الفترة، عمل ذوو فيّاض على دعمها ماديّاً كما قام المعهد بمساعدتها على متابعة العمل. وتعلّق قائلةً: “لا أعلم كلفة العمل بآلاتٍ وأدواتٍ كهذه، لكنَّ [معهد البترول للبحوث المصري] سمح لي باستخدامها.”
 
 
المسابقات الدوليّة ومابعدها
بدءاً من عام 2011، كانت فيّاض تشارك في المسابقات الدوليّة والمؤتمرات، ما أثبت وجودها في المجتمع العلميّ الدولي؛ ولكنّ ذلك دفعها إلى أخذ استراحةٍ من تحويل المواد البلاستيكيّة إلى وقود.
أمّا حالياً، فلتطبيق الفكرة على أرض الواقع، يجب حصول أمران: المزيد من الدراسات وبعض المفاوضات.
 
كانت فيّاض تعتزم حصولها على براءة اختراع للفكرة عام 2012، لكنّها تأخّرت بسبب التعمّق في دراسة العمليّة اللّازمة، حسبما تقول. بالإضافة إلى ذلك، تواصلت شركتان معها لتبنّي مشروعها على مستوى صناعيّ، ولكن لم يحصل أيّ اتّفاقيات بعد. وتعلّق الشابّة على هذا الأمر بقولها: “لا يمكنني الإفصاح عن اسمَي الشركتين بعد، لأنّ الأمر مبكرٌ لذلك.”
 
بعدما تزايد شغف فيّاض للعلوم منذ مشروعها الأوّل، ها هي الآن تتابع مشاريع جديدة تتعلّق بالطاقة الشمسيّة.
 
شارك المقالة:
529 مشاهدة
هل أعجبك المقال
0
0

مواضيع ذات محتوي مطابق

التصنيفات تصفح المواضيع دليل شركات العالم
youtubbe twitter linkden facebook