بين موجاته المتتالية رسائل متناغمة، ذكريات وأزمنة، يصفو الذهن، وتتشبّع الروح برائحة الحياة، تطرب الأذن لسماع موسيقا الموجة الهادئة، وتنتعش العين لرؤية الأمواج وجمال البحر. في هذا المقال اخترنا لكم جميل الشعر الذي قيل في البحر.
شعر عن البحر وسلاماً أيها البحر المريض
أيها البحر الذي أبحر من
صور إلى إسبانيا
فوق السفن
أيها البحر الذي يسقط منا
كالمدن
ألف شبّاك على تابوتك
الكحلي مفتوحٌ
ولا أبصر فيها شاعراً
تسنده الفكرة
أو ترفعه المرأة
يا بحر البدايات إلى أين
تعود؟
أيها البحر المحاصر
بين إسبانيا وصور
ها هي الأرض تدور
فلماذا لا تعود الآن من حيث أتيت؟
قد سألت البحر يوماً هل أنا يا بحر منكا؟
هل صحيح ما رواه بعضهم عني وعنكا؟
أم ترى ما زعموا زوار وبهتانا وإفكا؟
ضحكت أمواجه مني وقالت
لست أدري!
أيّها البحر، أتدري كم مضت ألف عليكا
وهل الشّاطىء يدري أنّه جاثٍ لديكا
وهل الأنهار تدري أنّها منك إليكا
ما الذي الأمواج قالت حين ثارت؟
لستُ أدري!
أنت يا بحر أسير آه ما أعظم أسرك
أنت مثلي أيّها الجبار لا تملك أمرك
أشبهت حالك حالي وحكى عذري عذرك
فمتى أنجو من الأسر وتنجو؟
لستُ أدري!
هو البحْر غصْ فيه إذا كان ساكناً
على الدّرّ واحذرْه إذا كان مزْبداً
فإنّي رأيت البحر يعثر بالفتى
وهذا الذي يأتي الفتى متعمّداً
يا بحر من بستانك الصدفي
امنحني محارة
مرجانة شيئا من الأعماق
لوناً غير لؤلؤتي في المحارة
يا بحر أغرقني وأغرقني
أكن للشوق شارة
هبني ولو لمحاً من الرؤيا
خذ كل ما أعطتني الدنيا
اجعله قبرا لي واسدل
فوقه حبي ستارة
أمس ارتجيتك أن ترد إلى
تمرّدي اخضراره
أن تغسل الأسماء
تمنحها الحقيقة والنضارة
يا بحر جئنا مرة أخرى
فلا تكن الضنينا..
الماء يعلو ثم يعلو
والموج مختال فخورْ
والبحر أخرج رأسه حتّى يرى ما قد جرى
لا تبتئسْ يا قلب هذي ساعة بطلتْ، أسنّتها البعادْ
لا تبتئسْ يا قلب واشعلْ في غياهبها البخورْ.
يا صوت البحر الحاضر
يا صوت البحر الهادر
يا الـمـصّـاعـد من وديان الأعماق
إلى تيجان الآفاق
ويا صوت البحر الهادر
خـلّ القمصان تطير مع الريح
القبضات المضمومة والرايات تطير مع الريح.
حجّب ذا البحر بحارٌ دونه
يذمّها النّاس ويحْمدونه
يا ماء هلْ حسدْتنا معينه
أم اشْتهيت أنْ ترى قرينه
أم انْتجعْت للغنى يمينه
أمْ زرْته مكثّراً قطينه
أمْ جئْته مخنْدقاً حصونه
إنّ الجياد والقنا يكْفينه.
قف من اللّيل مصفياً والعباب
وتأمل في الزبدات الغضاب
صاعدات تلوك في شدقها الصّخر
وترمي به صدور الشّعاب
هابطات تئنّ في قبضة الرّ
يح وترغي على الصّخور الصّلاب
ذلك البحر هل تشاهد فيه
غير ليل من وحشة واكتئاب؟
ظلمات من فوقها ظلمات
تترامى بالمائج الصّخاب
لا ترى تحتهّن غير وجود
من عباب وعالم من ضباب
أيّها البحر كيف تنجو من اللّيـ
ـل؟ وأين المنجى بتلك الرّحاب
هو بحرّ أطمّ لجّا، وأطغى
منك موجاً في جيئة وذهاب
أو ما تبصر الكواكب غرقى
في دياجه كاسفات خوابي؟
وترى الأرض في نواحيه حيرى
تسأل السّحب عن وميض شهاب
ويك يا بحر ما أنينك في اللّيـ
ـل أنين المرّوع الهيّاب
امض حتّى ترى المدائن غرقى
و ترى الكون زخرة من عباب
امضِ عبر السّماء واطغَ على الأفـ
ـلاك واغمر في الجوّ مسرى العقاب.
ما يضير البحر أمْسى زاخراً
أنْ رمى فيه غلامٌ بحجرْ.
شاعر البحر إلى البحر يعود
بالهوى المشبوب والروح المريد.
قصائد في البحر
من جميل القصائد التي قيلت في البحر، اخترنا لكم ما يأتي:
يا بحر
يوسف الديك
يا بحرْ
لا تُبعد الشطآنَ أكثر عن مسافات الجنوبِ
فلقد تَعبتُ من اليَباسِ الساحِليِّ
والالْتباس المرحليّ في الأهداف والتماس النصر في فوضى الجيوشِ
أو تفعيلِ الجملةِ الاسمية
الخبر المقدَّم، والمضاف إليه
آهِ يا ملحَ الشعوبِ
ولقد تعبتُ من تراكيبِ العناصرِ في امتزاج الحامضِ القَلويِّ بالفِلَزّ
تحليل النتاجِ المخبريّ
نشرة الأخبار، تطبيل الصحافة، والمفاعل النووي
إنَّ الكيمياءَ، عُهرٌ كالسياسةِ
مهزلةُ الطبيعةِ
حيثُما تتنَفَّسُ الأرضُ الفقيرةُ، يولدُ الفقراء
تنسَدُّ الدروبُ على الدروبِ.
اترك لنا الأمواج... أيُّها البحرُ العموميّ
اختنقتُ من الحقيقةِ، والحكومةِ، والعفو الضريْبي
لا تصدِّقِ التاريخْ
إن الحقيقةَ كلّها كَذِبٌ
يا بحر صدِّقني فأنا الذي لولا انغماسي فيكَ
أشعلتُ الهواءَ المرّ من نارٍ تُؤجَجُ في لَهيبي.
أنا لا أُريد سوى مترين تحت الماءِ، قبراً
فاحتوِ أضلاع هذا العاشقِ الأبدي، لؤلؤاً، وزمرداً
بأصابع المرجان كفِّني ولا تكثر على قلبي العتابْ
فلقد تعبتُ من السؤالِ بلا جوابْ
ومن البدايةِ قد تعبتُ من النهايةِ، بينهما العذابْ.
لا تسَلْني عن قبورِ الأولياءِ الصالحين
في زمانِ الصُّلحِ يختلفُ الولاءْ، يا أيُّها البحرُ الجميلُ
لكلِّ عصرِ أنبياءْ
استمعْ لي جيداً يا أيُّها البحر المُبَجَّلُ والبَخيلْ
فقد التجأتُ إليك ساعد كاهلي حملي ثقيلْ
رضيت فيك الموتَ طوعاً
فأعطني مترينِ تحت الماءِ
فسِّرْ لي هُروبيْ
هل ستفهمني؟!
كلامي واضحٌ يا بحرْ
لا تَبُحْ باسمي على رملِ الشواطئِ
لا تَقُلْ شيئاً، رجَوْتُكَ
خبئ صورتي في مائِكَ السرِّي
عَلَّهُ ينسى مع الأيامِ قسوَتَه على قلبي، حبيبي
علَّها تنسى الحكوماتُ، الضحايا
والبناتُ رموشَهُنَّ المستعارةَ في المرايا
والشهيدُ معاهداتِ الذّلِ
والنحلُ، والخلايا.
لا بُدَّ من نسيانِ أنَّ الأرضَ قاسيةٌ
والحقيقةَ مرةٌ، وأنَّ عمرَ الحبّ أطولُ من سنواتِنا
كنّا ساذجين لا تعلمنا التجاربُ
نستردُّ النُّسْغَ في أرواحِنا
أيائلَ في برِّيةٍ مجهولةِ الأبعاد تبتعد الجهاتُ بنا
في فلواتِنا تجري بنا خُطواتنا بحثاً عن الصياد
المستفيدِ، المستبدّ، المستعدّ على الدوام.
كنّا عاشقين، وساذجين نستبق المنايا!
يا بحرُ طَهِّرنا لنغسلَ ما في وُسْعِنا منا
كلَّ ما في وُسْعِنا، منّا:
انكساراتِ الفراغ العاطفيّ
سعالَنا الديكيّ
أدرانَ الشذوذ المسلكيّ
آثارَ الجراحِ، مخلّفاتِ الكوكاكولا
صرخةَ الرئتينِ، نيكوتينَ العصرِ
حُسنَ الطالعِ الرسميّ
طهّرْنا لنغسلَ ما تبقَّى، طعنةً في الصدرِ تعتملُ الحنايا!
لكنّا نعود كما ابتدأنا رحلةَ الأمواجِ
إذ تركناها على الشطآنِ هناكَ تنتظرُ الخطايا
رُبَّما سهواً نسينا صدفةً
أو رُبَّما
وهذا ما تؤكدهُ المصادرُ
إن بعضَ الظَّنِ إثمٌ
إلاّ في سوءِ النوايا.
واسعٌ يا بحر أنت، رحْبٌ، ويحسدُكَ الفراغُ على الرحابةِ والسِّعَة
خالدٌ كالعاشِقِ المسكونِ في وجعِ الحبيبِ المستحيلْ
والنارُ تُدمي أضْلُعَهْ
قال جدِّي:
مرةً لما رجعنا من حقولِ القمح
أسرَج البحرُ الخيولَ في الأمواج ماءْ
مُتَيَّماً، متيَمِّماً بالرمل جاءْ
مَدَّ بساطَهُ صلَّى الوِترَ بنا أمَّ العِشاء
وتناولَ السُّحبَ القريبةَ من قرونِها وقدَّمَها لنا على طبقِ العَشاءْ
قال جدِّي: كم كريماً كانَ ذاك البحر وجارحاً كالكبرياء.
ثم ودّعناه منفعلين، أسرعنا الخطى غصَّت به الأمواجُ
سالَ الغيمُ دمعَ البحرِ بلَّلْنا بكاءْ.
واسعٌ يا بحرُ أنتَ
وضَيِّقٌ شريانُ قلبي
غادرٌ هذا الزمان
إني أشْتَمُّ الخديعةَ في الجرائدِ، والقصائدِ، والمواقدِ، والهواءْ.
رائحةُ الخيانةِ، في الشوارع، في المزارعِ، في تحيات الأصابعِ
في خطوط الكهرباءْ.
آهِ...
يا بحر
لو حللت ما بي من عناصر دهشتي
تستقيني أنتَ إني قد زرعت الفُلَّ في وجع السطور
وحرضت الملائكةَ الصغار الطيبين
في تباريح النساء.
قل ما تشاءْ ولا أشاءْ
كلّ شيءٍ قد تبدَّدْ
أقسى من السكِّين في الشريان، جرحُ الانحناءْ
لا تشي يا بحر بالأسرارِ عَلَّهُ ينسى حبيبي!
أنت أدرى
صفعةُ المحبوبِ أقوى من سيوف الغُرباءْ!
حَدِّق جيداً يا بحر بي
إني للتوِّ انتهيتُ من الوصيةِ، حصرِ الإرثِ سجِّل ما امتلكتْ
(بطانيةً، ودفترين مهلهلين، شبّاكاً يُطلُّ على الندى وسرّ الزَنزَلختْ،
كتاب درويش الأخير).
(لا تعتذر.. عمّا فعلت)
وزجاجةَ العِطرِ التي وصَلَتْ بصندوقِ البريدِ.. وما وصَلْتْ!
فاتورة المحمول سَدِّدْها
إذا سمَحْتْ)
أنا لا أريد، وأنت لا ترضى أموت وهاتفي مفصولْ!
فلربما تتذكَّر امرأةٌ زُفَّت لقردٍ (صورَتي)
فترسلُ قردَها للسوق،
تطلب نُمرتي ويختلط السَّفرجلُ في شراييني بوقعِ الخيلِ مع صهيلِ الروح
فتسْتَردّ حرارةَ الحبِّ الدماءْ!
آهِ لو تشْتَمَّ مثلي الآنَ رائحةَ البخورِ
في ذكرى حريرِ النّستناء.
لا تؤجل صرختي يا بحر
لقد انتهيتُ من الوصية، حجةِ الميراث، فاعطني مترين تحت الماءْ
آهِ من زمنِ المرارةِ في شفةِ الحبيب وفي بذورِ الكَسْتناء
يخشى به العشاقُ بَوحَ صدورهِم خجلاً وخوفاً... أو حياءْ
نحن نستخدم ملفات تعريف الارتباط (كوكيز) لفهم كيفية استخدامك لموقعنا ولتحسين تجربتك. من خلال الاستمرار في استخدام موقعنا ، فإنك توافق على استخدامنا لملفات تعريف الارتباط.