شعر عن البحر

الكاتب: رامي -
شعر عن البحر
البحر

بين موجاته المتتالية رسائل متناغمة، ذكريات وأزمنة، يصفو الذهن، وتتشبّع الروح برائحة الحياة، تطرب الأذن لسماع موسيقا الموجة الهادئة، وتنتعش العين لرؤية الأمواج وجمال البحر. في هذا المقال اخترنا لكم جميل الشعر الذي قيل في البحر.

شعر عن البحر
وسلاماً أيها البحر المريض

أيها البحر الذي أبحر من

صور إلى إسبانيا

فوق السفن

أيها البحر الذي يسقط منا

كالمدن

ألف شبّاك على تابوتك

الكحلي مفتوحٌ

ولا أبصر فيها شاعراً

تسنده الفكرة

أو ترفعه المرأة

يا بحر البدايات إلى أين

تعود؟

أيها البحر المحاصر

بين إسبانيا وصور

ها هي الأرض تدور

فلماذا لا تعود الآن من حيث أتيت؟

قد سألت البحر يوماً هل أنا يا بحر منكا؟

هل صحيح ما رواه بعضهم عني وعنكا؟

أم ترى ما زعموا زوار وبهتانا وإفكا؟

ضحكت أمواجه مني وقالت

لست أدري!

أيّها البحر، أتدري كم مضت ألف عليكا

وهل الشّاطىء يدري أنّه جاثٍ لديكا

وهل الأنهار تدري أنّها منك إليكا

ما الذي الأمواج قالت حين ثارت؟

لستُ أدري!

أنت يا بحر أسير آه ما أعظم أسرك

أنت مثلي أيّها الجبار لا تملك أمرك

أشبهت حالك حالي وحكى عذري عذرك

فمتى أنجو من الأسر وتنجو؟

لستُ أدري!

هو البحْر غصْ فيه إذا كان ساكناً

على الدّرّ واحذرْه إذا كان مزْبداً

فإنّي رأيت البحر يعثر بالفتى

وهذا الذي يأتي الفتى متعمّداً

يا بحر من بستانك الصدفي

امنحني محارة

مرجانة شيئا من الأعماق

لوناً غير لؤلؤتي في المحارة

يا بحر أغرقني وأغرقني

أكن للشوق شارة

هبني ولو لمحاً من الرؤيا

خذ كل ما أعطتني الدنيا

اجعله قبرا لي واسدل

فوقه حبي ستارة

أمس ارتجيتك أن ترد إلى

تمرّدي اخضراره

أن تغسل الأسماء

تمنحها الحقيقة والنضارة

يا بحر جئنا مرة أخرى

فلا تكن الضنينا..

الماء يعلو ثم يعلو

والموج مختال فخورْ

والبحر أخرج رأسه حتّى يرى ما قد جرى

لا تبتئسْ يا قلب هذي ساعة بطلتْ، أسنّتها البعادْ

لا تبتئسْ يا قلب واشعلْ في غياهبها البخورْ.

يا صوت البحر الحاضر

يا صوت البحر الهادر

يا الـمـصّـاعـد من وديان الأعماق

إلى تيجان الآفاق

ويا صوت البحر الهادر

خـلّ القمصان تطير مع الريح

القبضات المضمومة والرايات تطير مع الريح.

حجّب ذا البحر بحارٌ دونه

يذمّها النّاس ويحْمدونه

يا ماء هلْ حسدْتنا معينه

أم اشْتهيت أنْ ترى قرينه

أم انْتجعْت للغنى يمينه

أمْ زرْته مكثّراً قطينه

أمْ جئْته مخنْدقاً حصونه

إنّ الجياد والقنا يكْفينه.

قف من اللّيل مصفياً والعباب

وتأمل في الزبدات الغضاب

صاعدات تلوك في شدقها الصّخر

وترمي به صدور الشّعاب

هابطات تئنّ في قبضة الرّ

يح وترغي على الصّخور الصّلاب

ذلك البحر هل تشاهد فيه

غير ليل من وحشة واكتئاب؟

ظلمات من فوقها ظلمات

تترامى بالمائج الصّخاب

لا ترى تحتهّن غير وجود

من عباب وعالم من ضباب

أيّها البحر كيف تنجو من اللّيـ

ـل؟ وأين المنجى بتلك الرّحاب

هو بحرّ أطمّ لجّا، وأطغى

منك موجاً في جيئة وذهاب

أو ما تبصر الكواكب غرقى

في دياجه كاسفات خوابي؟

وترى الأرض في نواحيه حيرى

تسأل السّحب عن وميض شهاب

ويك يا بحر ما أنينك في اللّيـ

ـل أنين المرّوع الهيّاب

امض حتّى ترى المدائن غرقى

و ترى الكون زخرة من عباب

امضِ عبر السّماء واطغَ على الأفـ

ـلاك واغمر في الجوّ مسرى العقاب.

ما يضير البحر أمْسى زاخراً

أنْ رمى فيه غلامٌ بحجرْ.

شاعر البحر إلى البحر يعود

بالهوى المشبوب والروح المريد.

قصائد في البحر

من جميل القصائد التي قيلت في البحر، اخترنا لكم ما يأتي:

يا بحر

يوسف الديك

يا بحرْ

لا تُبعد الشطآنَ أكثر عن مسافات الجنوبِ

فلقد تَعبتُ من اليَباسِ الساحِليِّ

والالْتباس المرحليّ في الأهداف والتماس النصر في فوضى الجيوشِ

أو تفعيلِ الجملةِ الاسمية

الخبر المقدَّم، والمضاف إليه

آهِ يا ملحَ الشعوبِ

ولقد تعبتُ من تراكيبِ العناصرِ في امتزاج الحامضِ القَلويِّ بالفِلَزّ

تحليل النتاجِ المخبريّ

نشرة الأخبار، تطبيل الصحافة، والمفاعل النووي

إنَّ الكيمياءَ، عُهرٌ كالسياسةِ

مهزلةُ الطبيعةِ

حيثُما تتنَفَّسُ الأرضُ الفقيرةُ، يولدُ الفقراء

تنسَدُّ الدروبُ على الدروبِ.

اترك لنا الأمواج... أيُّها البحرُ العموميّ

اختنقتُ من الحقيقةِ، والحكومةِ، والعفو الضريْبي

لا تصدِّقِ التاريخْ

إن الحقيقةَ كلّها كَذِبٌ

يا بحر صدِّقني فأنا الذي لولا انغماسي فيكَ

أشعلتُ الهواءَ المرّ من نارٍ تُؤجَجُ في لَهيبي.

أنا لا أُريد سوى مترين تحت الماءِ، قبراً

فاحتوِ أضلاع هذا العاشقِ الأبدي، لؤلؤاً، وزمرداً

بأصابع المرجان كفِّني ولا تكثر على قلبي العتابْ

فلقد تعبتُ من السؤالِ بلا جوابْ

ومن البدايةِ قد تعبتُ من النهايةِ، بينهما العذابْ.

لا تسَلْني عن قبورِ الأولياءِ الصالحين

في زمانِ الصُّلحِ يختلفُ الولاءْ، يا أيُّها البحرُ الجميلُ

لكلِّ عصرِ أنبياءْ

استمعْ لي جيداً يا أيُّها البحر المُبَجَّلُ والبَخيلْ

فقد التجأتُ إليك ساعد كاهلي حملي ثقيلْ

رضيت فيك الموتَ طوعاً

فأعطني مترينِ تحت الماءِ

فسِّرْ لي هُروبيْ

هل ستفهمني؟!

كلامي واضحٌ يا بحرْ

لا تَبُحْ باسمي على رملِ الشواطئِ

لا تَقُلْ شيئاً، رجَوْتُكَ

خبئ صورتي في مائِكَ السرِّي

عَلَّهُ ينسى مع الأيامِ قسوَتَه على قلبي، حبيبي

علَّها تنسى الحكوماتُ، الضحايا

والبناتُ رموشَهُنَّ المستعارةَ في المرايا

والشهيدُ معاهداتِ الذّلِ

والنحلُ، والخلايا.

لا بُدَّ من نسيانِ أنَّ الأرضَ قاسيةٌ

والحقيقةَ مرةٌ، وأنَّ عمرَ الحبّ أطولُ من سنواتِنا

كنّا ساذجين لا تعلمنا التجاربُ

نستردُّ النُّسْغَ في أرواحِنا

أيائلَ في برِّيةٍ مجهولةِ الأبعاد تبتعد الجهاتُ بنا

في فلواتِنا تجري بنا خُطواتنا بحثاً عن الصياد

المستفيدِ، المستبدّ، المستعدّ على الدوام.

كنّا عاشقين، وساذجين نستبق المنايا!

يا بحرُ طَهِّرنا لنغسلَ ما في وُسْعِنا منا

كلَّ ما في وُسْعِنا، منّا:

انكساراتِ الفراغ العاطفيّ

سعالَنا الديكيّ

أدرانَ الشذوذ المسلكيّ

آثارَ الجراحِ، مخلّفاتِ الكوكاكولا

صرخةَ الرئتينِ، نيكوتينَ العصرِ

حُسنَ الطالعِ الرسميّ

طهّرْنا لنغسلَ ما تبقَّى، طعنةً في الصدرِ تعتملُ الحنايا!

لكنّا نعود كما ابتدأنا رحلةَ الأمواجِ

إذ تركناها على الشطآنِ هناكَ تنتظرُ الخطايا

رُبَّما سهواً نسينا صدفةً

أو رُبَّما

وهذا ما تؤكدهُ المصادرُ

إن بعضَ الظَّنِ إثمٌ

إلاّ في سوءِ النوايا.

واسعٌ يا بحر أنت، رحْبٌ، ويحسدُكَ الفراغُ على الرحابةِ والسِّعَة

خالدٌ كالعاشِقِ المسكونِ في وجعِ الحبيبِ المستحيلْ

والنارُ تُدمي أضْلُعَهْ

قال جدِّي:

مرةً لما رجعنا من حقولِ القمح

أسرَج البحرُ الخيولَ في الأمواج ماءْ

مُتَيَّماً، متيَمِّماً بالرمل جاءْ

مَدَّ بساطَهُ صلَّى الوِترَ بنا أمَّ العِشاء

وتناولَ السُّحبَ القريبةَ من قرونِها وقدَّمَها لنا على طبقِ العَشاءْ

قال جدِّي: كم كريماً كانَ ذاك البحر وجارحاً كالكبرياء.

ثم ودّعناه منفعلين، أسرعنا الخطى غصَّت به الأمواجُ

سالَ الغيمُ دمعَ البحرِ بلَّلْنا بكاءْ.

واسعٌ يا بحرُ أنتَ

وضَيِّقٌ شريانُ قلبي

غادرٌ هذا الزمان

إني أشْتَمُّ الخديعةَ في الجرائدِ، والقصائدِ، والمواقدِ، والهواءْ.

رائحةُ الخيانةِ، في الشوارع، في المزارعِ، في تحيات الأصابعِ

في خطوط الكهرباءْ.

آهِ...

يا بحر

لو حللت ما بي من عناصر دهشتي

تستقيني أنتَ إني قد زرعت الفُلَّ في وجع السطور

وحرضت الملائكةَ الصغار الطيبين

في تباريح النساء.

قل ما تشاءْ ولا أشاءْ

كلّ شيءٍ قد تبدَّدْ

أقسى من السكِّين في الشريان، جرحُ الانحناءْ

لا تشي يا بحر بالأسرارِ عَلَّهُ ينسى حبيبي!

أنت أدرى

صفعةُ المحبوبِ أقوى من سيوف الغُرباءْ!

حَدِّق جيداً يا بحر بي

إني للتوِّ انتهيتُ من الوصيةِ، حصرِ الإرثِ سجِّل ما امتلكتْ

(بطانيةً، ودفترين مهلهلين، شبّاكاً يُطلُّ على الندى وسرّ الزَنزَلختْ،

كتاب درويش الأخير).

(لا تعتذر.. عمّا فعلت)

وزجاجةَ العِطرِ التي وصَلَتْ بصندوقِ البريدِ.. وما وصَلْتْ!

فاتورة المحمول سَدِّدْها

إذا سمَحْتْ)

أنا لا أريد، وأنت لا ترضى أموت وهاتفي مفصولْ!

فلربما تتذكَّر امرأةٌ زُفَّت لقردٍ (صورَتي)

فترسلُ قردَها للسوق،

تطلب نُمرتي ويختلط السَّفرجلُ في شراييني بوقعِ الخيلِ مع صهيلِ الروح

فتسْتَردّ حرارةَ الحبِّ الدماءْ!

آهِ لو تشْتَمَّ مثلي الآنَ رائحةَ البخورِ

في ذكرى حريرِ النّستناء.

لا تؤجل صرختي يا بحر

لقد انتهيتُ من الوصية، حجةِ الميراث، فاعطني مترين تحت الماءْ

آهِ من زمنِ المرارةِ في شفةِ الحبيب وفي بذورِ الكَسْتناء

يخشى به العشاقُ بَوحَ صدورهِم خجلاً وخوفاً... أو حياءْ

ويُناقَشُ الفنّ الرفيع، معضلات الجنسْ، وفوائد الحبِّ السريعِ

في دورِ البغاءْ.

مطاردٌ فينا الكنار

وسيدٌ للطيرِ صارَ الببَّغاءْ.

ها أُغسطسُ أيضاً يا بحر يودّعنا

وحَلَّ بنا أيلولُ بباقةِ وردٍ ضَمَّتها بحنينِ السنواتِ الصعبةِ عاشقةٌ من

بيروت

فَتَّشَ كُلَّ الأمتعةِ المختصونَ بأمنِ الرحلةِ قبلَ الطيران فلم يجدوا

غير الوردْ

لِمن الوردْ؟

قالت: لحبيبي!

- وهل يعنيكِ القردُ المتمترسُ بين ضلوعك في ذاتِ المقعد؟

- هذا قردي، لا يعنيني جداً، أحياناً يكتب عنِّي في الكُرَّاس الدرسْ.

- أين حبيبكِ، وكيفَ رضيتِ بهذا القرد؟

- تَذكَّرْ أرجوك، أنت تجاوزتَ الممكن، واللاممكن، هذا شأني، وبكل مطارات

الدنيا،

أسئلتكَ أكبر ممَّا يتطلبه الأمنْ؟

- أين حبيبك؟

- في البحر... هناكْ- وأشارتْ للدّنيا عبر الشّباكْ.

- وأينَ البحر؟... هل تزعجَكِ الأسئلةُ الصَّعبهْ؟؟

- حقاً أنت خفيف الظل بما تروي أسئلة الذكرى في جنبات الروح من الصحراءْ،

وأيضاً أنت سخيفٌ، وتثير الاشمئزاز

كل الأرض بحار.. فاتركني

ليس لدي حبيبٌ

لا يعنيني البحر بشيءٍ

تلك حقائب سفري فاحتجزوها، وخذوا الورد

خذوا ما شئتم وانصرفوا

وخذوا معكم .. حتى هذا القرد!

في لندن أيضاً سألوها عنِّي، وسرّ علاقتِها بالبحر

وفنّ الطبخ،

وماجستيرْ الطِّبْ؟

ولكن هذي المرَّةَ درءاً للإرهاب

وليسَ فضولاً لتماهي صُورَ الحبِّ

أو ثمة حاجز أعرَبَ عنه القردُ الحسَّاسْ

تبدّى بين الجسدِ المستسلمِ للرغباتِ بلا إحساسْ

وبين الروحِ ونبضِ القلبْ.

آهٍ يا بحر

اقرأ دفتر أمواجك بالمقلوب، ستفهمني!

اقرأني من أولِ جرحٍ، حتى آخرِ آه

وتذكَّر أني في البدء، وبين سطور الموج، وفي خاتمةِ القهرِ مياهْ!

وبأني رغمَ مرارةِ طعمِ الدُّنيا، والحسَراتْ

كتابُ ترانيمٍ أجمل ما فيه تسابيح الأمواتْ.

افتح شطآنك يا بحر

مزِّق أمواجَ الملحِ كجيبِ عباءةِ أُمِّ وحيدٍ واسْتُشْهِدْ.

ارفع كَفَّيكَ بما فيها من أمواهْ

وتعال نُردِّدُ: شكراً لله

وتجلَّى في الحمد

فليسَ يَليقُ بحمدٍ في المكروهِ سواهْ.

تتنويه:

فقد مات البحر، ولمّا تكتمل القصيدة بعد.

بحر

قاسم حدّاد

مازال معتزلاً يموج

وزنبق في عينه

يده ملطخة بماء الوقت

في يده حرير الخيل

بعد دقيقتين عميقتين يطلّ في كلماتكم

للغصن تاريخ ومرآة وقيل نجومكم حبلت

فلا تتأخّروا

ما زال مشدوهاً ومحترقاً

وتصحبه القواقع والمحارات التي شهقت

وسوف. دقيقتان غزيرتان

وآه آه البحر

لا تتناثروا

قد ينهض البحر المُسجّى في السواحل

راكضاً فرحاً

وأحياناً ترافقه

ويسمع، قالت الأخبار

إن بيوتكم ضاقت وإن السجن أوسع ما يكون

مهيأ

والموج كان يكون فوج الرفقة

المتطاولين على النخيل

يطلّ بعد دقيقتين صغيرتين

الفتية المستهترون بموتهم

نهضوا يطالون المدى الرملي في يدهم

ولا يستسلمون

الفتية اللاهون بالصلصال يعتمرون ثلج الوقت

يبنون الذي هدمته عين الليل

لا تتأخروا

سيطلّ، ما زال اللجام الأخضر المغزول من وبر

على كتف الصهيل

يسمعكم

تمر دقيقتان مريرتان

الشارع العربي يكسر قلب عبد الماء

والمدن الغياب وسيعة

ضاقت بمن فيها

نوافذ هذه الأرض الطرية تستوي حجراً

فلا تتكسروا

للأرض ألف طريقة كي تولدوا

فهنا الدقائق ليس في يدها مفاتيح القصائد

قلب عبد الماء مائي ورمل مولع

والأرض تطلع في القصائد مثل وشم

فاكتبوا عن عشقها السري

لا ماتت ولا عرف العساكر سرها

قتلت وها هي تمشي فلا تتأخروا

سيطل تعرفه البحار

وتعشق الأرض اضطراب يديه

قبل دقيقتين ثقيلتين ليبدأ التكوين

تعرفه القواقع والسواحل

تهجس الأحجار (سوف يجيء)

هذا الواسع المنزوع من شفق

(يجيء ..) وتهمس الآفاق

هذا النافر المجبول من قلق

يغيم الواضح المألوف في العينين

أحياناً.

معتزل ومندفق العواطف مثل عاصفة

ولا تثق العواصف

كل دقيقة سفر

يغادر حالة البحار

يحشو فوهةً بالنار

يعجنها ويكسر كل صارية سترجع

يمسح الميناء يصمت ينطق الأشياء

هذا الموج معتزل فلا تتساءلوا

سيطل بعد دقيقتين صديقتين

يجيء

كل دقيقة شجر

سمعنا قالت الأشعار:

هذا الشارع العربي

هذي الخيمة الأوتاد

هذا الأسود الذهبي

هذا الموت

سوف يموت.

قالت: سوف ترتادون.

لا سفن ولكن موجة كالخيل

حمحمة صهيل زرقة الصحراء

جامحة خيول البحر

لا أحداقه ضاقت

ولا في الفتية المرحين من يسهو

عن الشجر الذي يمشي

وكانت قالت الأشعار:

هل شجر ويمشي؟

لم نصدق قامت الصحراء.

مازال معتزلاً

يداعب خرقة في كتفه اهترأت

طواها مرةً صارت رسائل للمغنين

استحالت بلبلاً نضراً

وأحياناً ينشرها مناخاً كالوشيعة

فتية كالملح فوق الجرح والأرض الوسيعة

فارس ومغامرون.

خرقة في كتفه

خيط من الرايات

داعبها دنت رسل القبائل

فاحتذى في عزلة

صاغ الكواكب وشوش الأخبار

والصور القديمة والجديدة

فز قلب الفتية اللاهين في وله

دنوا فانداحت الواحات

داعب فتيةً قذرين من شبق الصحارى

عفرت أطرافهم في الرمل

كان الرمل يلبسهم

وكانوا مهرةً شقراء

داعبها.

أمعتزلٌ؟

ويخرج من سرير الساحل الشرقي

خرقته انتظارات

وعزلته انتشار وامتزاج

يجمع الشطآن

داعب فتيةً ليجيء فيهم

آه لا تتأخروا

فالعمر محض دقيقتين دقيقتين

الغصن صارية وتاريخ له

ويقوم من ومض الرماد

الدفة المعجونة الكتفين بالنيران

والموج احتمال الغامض المألوف

في العينين زنبقتان أحياناً.

بكى من لوعة في قاع حسرته

ولم تسمعه

غير الدفة المكسورة الودجين

لم تسمعه شقراء الجدائل وردة العينين

لم تسمعه غير الريح مسرعةً

بكى من زرقة في القلب

لا تعب ولا خذلان

لكن

ربما شهقت شجيرات البنفسج

في دم الإنسان أحياناً.

أمعتذرٌ؟

يد في حمحمات الخيل

سوف يطل بعد دقيقتين غريبتين

الشعر مندفق وموج لا ينام

ولا نوارس في عيون الأفق

إلا واسمها في دفتر الصحراء

معتذرٌ؟

بنفسجتان في خديه

هذا البحر هل يبكي؟

سمعنا جاء في الأخبار

والصور القديمة والجديدة

موغل عار مضى

مازال مرتدياً رسائلكم ويسهر عند باب الماء

لا تتأخروا

فدقيقتان جريحتان ويفتح القتلى دفاترهم

وينتشرون

يهدي البحر زرقته

فتبدو هذه الصحراء عاشقة ونرجستين

لا تستوحشوا

ما كان مختضبا بماء كان في دمه

ويلبس صخب هذا الموج

مختلجاً

كأن دقيقتين دقيقتين

وسوف يدخل

فاتركوا أثراً على ماء الصحارى

قالت الأشعار: إن الأرض من ماء هنا

والموج سيدها

اتركوا أثراً

فهذا الشارع العربي سوف يعود

في خشب من السفن الكريهة

فارقبوا الميناء

والشجر الذي يمشي ويكمن خلف هذي الأرض

لا تثقوا

فكل مدينة بعثت رسائلها إلى الصحراء

لسنا وحدنا

(ما ضيعونا

إنما ضاعوا بلا ماء على الصحراء).

للغصن تاريخ ونافذتان

للمتناقضين رسائل

خجلٌ بنفسجتان

سوف يطل

لا متوحد في عزلة

هل مات؟

أو كسرت قوادمه الشموس؟

يداه في غبش

ونافذة تطل على شمال القلب

نافذةً فلا تتكسروا كالعطر

لا تتوزعوا مثل الزجاج الأزرق البحري

فوق الرمل

فالأعداء يختلسون نرجسةً

ويختبئون في شجر

وتكمن في السواحل آخر الأسماك

لا تتكابروا

للأرض ألف طريقة والبحر درب واحد

هل مات؟

بعد دقيقتين غريقتين يطل من غسق الليالي

آه نافذتان نافذتان

أوسع ما يكون الأزرق القلبي

نصغي هسهسات؟

ربما يبكي

فللبحر احتمال

ربما يبكي

فموج شاهق ترك احتراف الركض

خلف الأفق

موج هاجر الأعماق والظلمات

موج مات

لو يبكي

لكي ينثال رمل الأرض

في يده شجيرات من الخجل الإلهي

افتحوا كفيه متعبتان

فيه الشهق فيه البرق

فيها الأزرق المقتول

في يده

دعوا يده فسوف تقول.

- من أي البحار أتيت يا خيلاً يموج

كأنه وطني؟

- من البحر الذي سجنوه في وهم

من الأسفار والسفن.

بعد دقيقتين حريقتين يجيء بالنيران

للسفن الرماديّات

ها هو موج يهاجر شرفة الميناء

يفتح ثغرةً في الرمل

ها هو موج إلى الصحراء

بعد دقيقتين بعيدتين

الفتية الغاوون يرتاحون في تعب

هناك قبيلة ضربت خيام الرجع في الإسفلت

فوق الشارع العربي

مقتول ومعتزل

يهيئ في يديه الأفق والجمرات

يمعن يحرق الميناء والسفن التي تغري

استديروا ها هو بريد البحر منطلق

ويمرق في عروق الفتية اللاهين

هذي النار توقظهم

أطلوا.

قالت الأشجار: بعد البحر تمتدون تجتاحون

تبنون الكواكب في جذور الرمل

معتزل

يد في فتية عشقوا

يد في فتية شهقوا

يد في حلم بحارين يعتزلون

قد تركوا سفين البحر

لا ابتلوا ولا غرقوا

يداعب

كان عبد الماء.

مات أو قتلوه

أو ماتوا على أشلائه

سيطل متكئاً على أضلاعه المتآكلات

رموه في جب

مشت عنه القوافل

آه عبد الماء

قبل دقيقتين طويلتين

نسوك ممتزجا بأقواس البدايات

انتضوا وطناً وسموه

وأنت مغامر في الحلم

ممتزج يصير الحب نافذةً على الأسماء

هل قتلوه؟

عبد الماء سوف يموت أحياناً.

- أي معتزل سيفتح مغلق الصحراء؟

- عبد الماء

- وأي مقتول سيفضح لعبة الأسماء؟

- عبد الماء

عبد الماء منتشر تضيق به الفضاءات

وعبد الماء محتمل تناقضه القناعات

وعبد الماء مكسور القوادم

يصبغ الطرقات من دمه

وعبد الماء يجري الماء في دمه

فلا تتمهلوا الراحات

من جب

ومن حجر شجاع يخرج البحر الذي غسل المدينة

آه عبد الماء من وجع المدينة

مغلق الصحراء منذور

فلا تستمهلوا أفقاً تضج به السموات.

تأمل في سراب الأفق مأخوداً

- هي الأشجار

حدق في رمال الشارع العربي

في الأسفلت

في، لكنها تمشي تدب

فمن يصدق؟

كانت الأشجار

تمشي نحو عاصمة مضيعة

وكان الفتية اللاهون منذهلين

فالأشجار قادمة

وبحر خارج في راية زرقاء.

مأخوذ

وكان الشارع العربي مسفوحاً

مدائنه محاصرة بأشجار العدو

الكامن المكشوف أحياناً.

فلا تتكاسروا

ردوا الوشيعة في رسائل خيله

والبحر أعماق وأعشاب ونافذتان:

واحدة تؤسس للمرايا غرفةً للعرس

واحدة تهاجر في احتمال الشمس

للمتناقضين رسائل وجـل

وزنبقتان

لا تتأثروا بعواطف القرصان

كل سفينة ستعود في هزم

ستحرقنا

احرقوها

من رماد الدفّة المكسورة الودجين

بعد دقيقتين جريئتين يغادر الإسفلت

شارعه

يصير الأسود الذهبي عوسجة وذكرى

يغسل البحر الصحارى

شارع عربي

لا رَجْعٌ ولا مستسلمون ولا حيارى

كل مرآة من التاريخ

موج حوَّلَ الرملَ احتفالاً

خرقة في كتف عبد الماء

لا تستغربوا

قتلوه.

أو ماتوا على أشلائه

للبحر أضلاع تآكلت اهتراء

فاستوت للوقت متكأ

له كتف قديم خرقة

يتدفأ العارون والغرباء يكتشف الحيارى

يرتخي في خيطها المتطاولون على النخيل

يداعب خرقة فتصير خلقاً.

آه عبد الماء

يجهلك القراصنة المعارون

(التهوا بالليل)

تعرفك الصبايا الموغلات بعطرهنّ

الدافق البحري

بحّار سلا البحر القديم

عساكر الميناء تسأل عنك

هل بحر ويحرق في اندفاق الحلم

كل سفينة كي يهجر الشطآن؟

مرّوا فتية مرّوا

وكانت آخر الأخبار

والصور القديمة والجديدة في معاطفهم

(قديماً رمموا كهفاً وسموه سماء)

قالت الأخبار

فانداحوا تدافع بعضهم

- ماذا تسمون السواحل دونما بحر؟

مشى في الشارع العربي مختلجاً

يجرجر ساعدين تكسّرا

والصدر مفتوح لحرب ساومت أعداءها

في الشارع العربي: (مقتول وأعرف قاتلي)

هل مات؟

سوف يموت أحياناً.

سلاماً زرقة الصحراء

داعب خرقة في كتفه اهترأت

فصار الماء والصبوات

معتذر

يد في غرة شقراء في كتف

يد تنداح في دعة

على الجسد المموج

والحرير السّارح الممراح

يد ترتاح في حلم من الوبر المطيع

معتزل ومتعذر ومقتول

ويهلع حين ترتعش الخيول كأنها ألق

ويلهج مثل أجنحة وينبثق

أمعتذرٌ

وصهل المهرة الشقراء يشعل في خيوط

الخرقة التاريخ نيراناً من الشهوات

داعبها تضرج خصرها خجلاً

سلاماً زرقة الصحراء

يلهج أي موجة موغل في اللجّ لا يبتل؟

ما زال يخرج من هزائمه الكثيرة

بعض أشلاء وبعض رفاة

لا حي ولا أمواته المرحون قد ذهبوا

وما زالت هزائمه الكثيرة تصبغ الإسفلت بالأزرق

يلملم بعض أشلاء وينهض.

سوف يلقاه العساكر عندما يأتون

هذا البحر معتزل ومقتول

ولكن حارب الصحراء أحياناً.

وقت

وبعد دقيقتين شقيقتين

يرافق صافنات الخيل

(لا وحدي ولا سفن سترجع بي ولا ميناء)

بعد دقيقتين شريدتين يشف هذا الأفق

إن عادت فسوف تعود أخشاباً بلا أسماء

لا تتحيروا فالفتية اختضبوا مشوا في راحة

ما زال معتزلاً

وقد تعبوا

وكل نوارس الميناء فوق نوافذ الصحراء

ترتادون

لا عطش فعبد الماء مندفق

وليست شهوة سفراً إلى خشب

دموع الشارع العربي في الأهداب

معتذر وزند في صرير الباب

لا رمل بلا لغة

ولا اقتعد العشيق الدار

لم يتأخروا مروا على رمل على حجر

فباب الماء أوسع ما يكون

الفتية المرحون يعتمرون جمر الوقت

أغنية النوارس

إنه كالدم منبثق

ونافذة على البحر الذي احترقت أصابعه

ونافذة على الصحراء

عبد الماء هل موج ولا يبتلّ؟

مختلج كأن الخلق بعد دقيقتين رهيفتين

سيبدأ افتتحوا

وكان الشارع العربي يكتب اسم عبد الماء

هذا الوقت مائي

سيمحوا.
شارك المقالة:
168 مشاهدة
هل أعجبك المقال
0
0

مواضيع ذات محتوي مطابق

التصنيفات تصفح المواضيع دليل شركات العالم
youtubbe twitter linkden facebook