لا تخلو بيئة عمل من وجود بعض المشكلات والخلافات البسيطة أو الكبيرة، وربما يكون هذا أمرًا طبيعيًا، طالما أن بيئة العمل دينامية، سوى أن هذا الوضع ذاته هو ما يحتم وجود الموظف الدبلوماسي ؛ فهو الأداة المثالية للقضاء على الخلافات، وفض المنازعات التي قد تحدث بين الزملاء وبعضهم، أو بين أحد الزملاء والإدارة.
يلعب هذا النمط من الموظفين دورًا محوريًا، وبطريقة سلسة ومنطقية للغاية، إنه ببساطة يحاول التغلب على الخلافات عبر طرح الأسئلة على طرفي النزاع، وتفكيك الخصومة، ومعرفة أسبابها، دون محاولة التوغل في دوافع الآخرين النفسية، إنه ببساطة يسأل: لماذا أنت منفعل هكذا؟ وعندما يعلو صوت الطرف الآخر، يطلب منه الهدوء حتى يُنهي الطرف الأول كلامه، ثم يلتفت إليه مرة أخرى ويطلب منه الحديث.
إن طرح الأسئلة يدفع الطرفين إلى التحول من الجدل إلى التحدث في عمق تفاصيل الخلاف؛ ما يُسهّل على هذا الموظف حل الخلاف، وإنهاء حالة المشاحنة بين زملاء العمل.
ووجود هذا النوع من الموظفين على درجة كبيرة من الأهمية؛ إذ إنه سيُجنب الإدارة الكثير من الضجيج، وسيعمل، كذلك، على وأد الكثير من الصراعات في مهدها. وبالتالي، يجب على الإدارة العليا في مختلف الشركات أن تعمل على اختيار هذا النوع من الموظفين؛ حتى يوفر عليها الوقت، ويدخر جهدها للعمل.
إذا ألفيت نفسك متورطًا في خلاف بين طرفين بالعمل، فأول ما يتعين عليك وتضعه في رأسك هو ألا تنحاز أبدًا لأحد الطرفين، بل كن موضوعيًا، محايدًا، وفي المنطقة الوسط؛ فهي مركز الأمان، ناهيك عن أنك إذا انحزت لطرف فستكون موضع لوم من قبل الطرف الآخر، وهو الأمر الذي يعني جرك إلى الخلاف بدون أن تدري.
كوّن، دائمًا، رؤية بعيدة المدى، وضع في اعتبارك وجهة نظر الشركة وأولوياتها، وحافظ على هدوئك واستقلاليتك طوال الوقت. بهذه الكيفية ستتمكن من لعب دور الموظف الدبلوماسي على أتم وجه.
ولكن قد تجد نفسك في موضع حرج، حين يكون أحد طرفي الخلاف صديقًا لك، في هذه الحالة يكون من الواجب أن تتخذ موقفًا دفاعيًا، وأن تطلب من الطرفين عدم إقحامك في الخلاف، ولا مانع من أن تعمل على إنهاء الخلاف بدعابة ما؛ كأن تقول للخصمين: إن لم تصمتا الآن فسوف أرسل كلاً منكما إلى غرفته.
ليس كل ما يُعرف يُقال، هذه قاعدة عامة، لكنها في العمل تكون ضرورية أكثر، فليس معنى أن تكون موظفًا دبلوماسيًا أن تكون ثرثارًا لا تكف عن الكلام، والإفصاح عن آرائك. إذن، عليك أن تتعلم متى تصمت، وتحتفظ بآرائك لنفسك.
كثير من الناس يتحدث، ويفصح عن آرائه ظنًا منه أن هذا الرأي مهم، أو له مريدوه، أو سيحظى بالتأييد والاحترام؛ أو سيجذب الانتباه إليه، لكن في الحقيقة، كل هذه الأسباب ليست كافية لكي يفصح المرء عن آرائه، ثمة سبب واحد يدعوك للتحدث عما تراه وهو أن يُطلب رأيك، وقتئذ فقط يجب عليك الكلام.
لكن، حالما تعبر عن رأيك، احرص على أن يكون دقيقًا وواضحًا، واعرضه ليس كمجرد رأي، وإنما أظهره بأنه الحل الواقعي للمشكلة العينية التي يؤُخذ فيها رأيك، وفوق كل هذا، راقب تلك الطريقة التي تُعبر بها عن آرائك.
لا تنس أن هدفك، كموظف دبلوماسي، هو خلق حالة من الوفاق، وإنهاء حالات الصراع والمشاحنات، وهذا الهدف يتطلب منك أن تكون ذكيًا ومحنكًا في هذا. وظيفتك إذن، هي ركوب الأمواج لا صنعها، بمعنى أنك لست ذاك الشخص الذي تسبب في نشوب الخلاف، ولكنك أنت الشخص ذاته الذي يمكنه فض هذا النزاع.