تعلم ان لا تواجه الأخرين بأخطائهم

الكاتب: وسام ونوس -
تعلم ان لا تواجه الأخرين بأخطائهم

 

 

تعلم ان لا تواجه الأخرين بأخطائهم

 

كان الرئيس الامريكى (روزفلت) يقول لمن حوله :لو اننى استطعت ان اكون على حق ثلاثة ارباع الوقت لبلغ أدائى حد الكمال
 
 
واذا كانت هذه نظرة واحد من مشاهير القرن العشرين فكيف يكون الحال معى او معك؟!
ان بوسعك أن تقول لأحدهم أنه مخطىء بشكل مباشر أو غير مباشر ولكن ما الذى تتوقعه عندئذ؟ أتظن أنه سوف يقنع برأيك؟ كلا فلن يفعل ذلك حتى اذا استخدمت فى حوارك معه المنطق الارسطى أو منهج (عمانويل كانت)
وما ذلك الا انك جرحت كبريائه وأذيت مشاعره وانتقصت من عقله وذكائه وخبرته وعمله
فمن الخطأ ان تقول لشخص:انتظر .. سوف أثبت لك خطأك.لان ذلك يعنى له أنك تقول:انت غبى وانا اكثر منك ذكاء ولسوف ألقنك درساً من شأنه ان يغير رأيك وبطبيعة الحال فان هذا بمثابة هجوم عليه وتحد لايثير فيه الا مزيداً من العناد والاصرار على مخالفتك حتى قبل أن تبدا فى اثبات ما أردت اثباته
ان تغيير رأى الاخرين أمر صعب من الاساس فاذا أضفت الى ذلك طريقة الهجوم فلسوف تزيد من صعوبة الامر ثم ما الذى يجبرك على ان تسىء لنفسك وتشحن قلوب الاخرين بالبغضاء؟ ذلك أمر لا داعى له فاذا أردت أن تثبت شيئاً فاجعل ذلك يحدث من خلال أسلوب ذكى مستعيناً باللباقه اذ ان الاخر على أستعداد للتعلم لكن بشرط الا يجلسهم احد على مقاعد التلاميذ
كان اللورد (تشيستر فيلد) ينصح ولده بقوله :
اذا أردت أن تكون اكثر الناس حكمة فليكن ذلك ولكن لا تخبر أحداً اننى الان لم اعد اؤمن بكثير من المعتقدات التى أمنت بها منذ عشرين عاماً ولا أزال اتشكك فى كثير من الامور حتى جدول الضرب اصبحت اتشكك فيه بعد أن عرفت نظرية (اينشتاين) وربما بدلت أفكارى بعد عشرين سنه اخرى اذ أننى ليس لدى اليقين الكافى بأننى على صواب دائماً وهو نفس ما ذهب اليه الفيلسوف (سقراط) حين قال:اننى لا أعلم شيئاً عن اليقين الا شىء واحد هو اننى لا اعلم شيئاً
فأذا حدثك بما ترى انه ليس صواب فلتقل له على سبيل المثال , الحق اننى لدى راى أخر لست على يقين من انه صواب فربما كنت مخطئا اذ طالما وقعت فى أخطاء لذا دعنا نتحقق من الامر حتى أعيد ترتيب الاشياء فى ذهنى
أن اعتراضك على ما يقوله الاخر بمثل هذه الطريقة يجعله يعيد النظر فيما قال ومن ثم لا يصنع (حائط صد) بسبب شعوره بالمهانة أو جرح الكرامة كما يوحى اليه بانك لا تنشد سوى الانصاف ثم يسلم هو الاخر بأنه ربما كان على خطاُ وعندئذ يتوقف الجدل ويسعى هو الى اعادة التفكيرمن جديد
فى لقاء جمعنى بالمكتشف الشهير والعالم البارز (ستيفنسون) الذى انفق ستة سنوات من عمره فى اكتشاف القطب الشمالى سالته عن الامر الذى كان يسعى لاثباته من خلال تجاربه,فقال:
ليست مهمة العالم ان يسعى لتاكيد شىء بعينه ولكن عليه ان يبذل الجهد فى سبيل الكشف عن الحقيقة فاذا أردت ان تكون ذا تفكير خلاق يجب الا يحول شيئا بينك وبين ما تريد
ان على الانسان ان يعترف بخطئه قبل أن يتورط لان مثل هذا الاعتراف (يسحب البساط) من تحت اقدام من يريد اثبات جهلك ويضع حدوداً للجدل العقيم كما انه يعطى الفرصة لغيرك كى يعترف هو الاخر بخطئه اذا كان مخطئاً
ربما كان الشخص الاخر على خطاُ فما الذى تفعله حيال ذلك ؟
هل تخبره بهذا امام الجميع ؟
وماذا يحدث اذا فعلت ؟
يقول (جيمس هنرى روبنسون) فى كتابه (خلق العقل) :
قد يسعى الانسان أحياناً الى تغيير معتقداته دون أن يجد أية غضاضة فى ذلك لكنه حين يخبره أحدهم انه مخطىء يتمسك برأيه ولا يتحول عنه ويتشبث برأيه اننا كثيراً ما نغفل عن معتقداتنا وأفكارنا لكننا اذا حاول احد انتزاع ايماننا بها امتلأنا ثورة وغيظاً لان ذلك يمثل فى نظرنا تعديا على كرامتنا وجرحا لمشاعرنا واستهانة بعقولنا
اننا مجبولون على متابعه ما نعتقده فاذا حاول احدهم التشكيك فى تلك المعتقدات التمسنا كل سبيل لتبرير صحة ما نعتقده بغض النظر عما أصبحت عليه أفكارنا بعد هذا التشكيك
ذات مرة كلفت أحدهم بتركيب ستائر لمنزلى فلما أنجز العمل قدم لى فاتورة باهظة ورغم اننى اشتعلت غضباً الا اننى دفعت المبلغ دون اعتراض
وبعد ايام زارتنى احدى الصديقات وسألتنى عن تكلفة تلك الستائر فلما أخبرتها صاحت لقد خدعت يا عزيزى ووجدت نفسى أقول لها ان كل ما هو قيم لابد أن يكون ثمنه باهظاً وليس بأمكان المرء أن يحصل على كل شىء جيد مقابل سعر زهيد!
لقد قلت ذلك وانا أعلم تماماً انها على حق ألم ترى حين قدم لى العامل فاتورة الحساب,ذلك أن قليلين هم الذين يرحبون بصادق القول ومن ثم يعيدون النظر فى تصرفاتهم أو اقوالهم وبما اننا بشر فلسوف ندافع عن انفسنا دوماً ولذلك فحين زارتنى صديقة اخرى فى اليوم التالى واثبنت على تلك الستائر وجدتنى أقول لها :اننى نادم على الثمن الذى دفعته فيها
لقد اعترفت حينئذ بخطئى لان الاولى قال الحقيقة بطريقة فجة بينما ألمحت الثانية الى اعجابها فدفعتنى الى قول الحقيقة
اذن فمن الممكن ان يقر الانسان بخطئه اذا تعامل معه الاخر بذكاء عندئذ يعترف المرء فنحن نفخر باننا صرحاء واذكياء لكننا لا نتحلى بهذه الصراحه وذلك الذكاء حين يشكك الاخرون فى أرائنا
دأب الصحفى الامريكى (هوريس) على نقد سياسات الرئيس (لينكولن) خلال الحرب الاهلية وتصاعدت حدة نقده الى درجه اتهام الرئيس بالجهل واستمر على ذلك فترة طويلة فماذا كانت النتيجة؟
لقد استمر لينكولن فى خططه دون ان يكترث لما يقوله ذلك الصحفى المعارض الذى لم يجنى سوى عداء الرئيس
وفى سيرة (بنيامين فرانكين) الكثير من المواقف التى توحى بأفكار جيدة فيما يتعلق بالتعامل مع الاخرين
فقد كان (فرانكلين) مجادلاً شرساً لكنه تحول الى النقيض من ذلك فأصبح دبلوماسياً بارعاً
لقد انتقد ذات مرة أحد اصدقائه المخلصين بطريقة فظة فما كان من ذلك الصديق الا ان قال له بكلمات تقطر أسى ومرارة
يبدو انك غريب الاطوار انك تجعل من كل من يختلف معك عدواً ولم يعد أحد يهتم بما تقول وأصبح اصدقائك يفضلون الابتعاد عنك ولم يكن بوسع اى منهم ان يواجهك برأيه فيك لانهم يعلمون جيداً أن صراحتهم معك سوف تجلب لهم المتاعب لذا فلن يمكنك أن تتعلم ولا ان تعرف ما تجهله رغم أنك تجهل الكثير من الامور
هنا..أدرك(فرانكلين) أن ما يقول صديقه هو عين الحق فتقبل ذلك النقد خلافا لعادته وأدرك أنه لن يحقق أى نجاح اذا استمر فى تعامله مع الاخرين بطريقته الفظة فبدأ يغير من أسلوب تعامله مع الناس
يقول فى ذلك الشأن :
حين واجهنى صديقى برأيه هذا أدركت انه على حق فبدأت على الفور فى التوقف عن لوم الاخرين وعن التمسك بأرائى بشكل مثير للاستفزاز وكنت اردد دائماً كلمات مثل(ومن دون شك) و(بالتأكيد) و(اعتقد) و(هذه حقيقة لا جدال فيها) فتوقفت عن استخدام مثل تلك الكلمات ولم ألبث أن كرهت الجدال تماماً وأصبحت اكثر تواضعاً ومن هذا المنطق أمكننى اقناع الاخرين بأرائى وافكارى
ومع الوقت أصبحت تلك الطريقة أسهل الطرق للاقناع والاحتفاظ بالاصدقاء وطوال خمسين عام لم يضبطنى أحدهم انطق تعبيراً جافاً واحسب ان هذه الطريقة التى اكسبتنى المكانة الرفيعة لدى الاصدقاء وقد استطعت من خلال ذلك المضى فى انشاء نظم جديدة بدل تلك النظم التى عفا عليها الزمن كما حظيت بنفوذ واسع لدى اللجان الشعبية رغم اننى لم أكن خطيباً جيداً
يعمل (ف. مالكونى) فى مجال بيع معدات تكرير النفط وقد تقدم اليه أحد كبار العملاء فى (لونج أيلاند) بطلب مجموعة من تلك المعدات وبالفعل بدأ فى اعداد ذلك الطلب الذى كان يحتاج الى نفقات وجهد وعمل مستمر توخياً للجودة لكن يبدو أن البعض حذر العميل التعامل مع (مالكونى) لان معداته غير جيدة مما يمكن أن يضر بسمهة شركته فأبلغ العميل (مالكونى) أنه لن يقبل منه هذه المعدات
يقول (مالكونى) :
كنت أعلم أن من أشار على العميل بعدم قبول المعدات لا يعلم شيئاً عن طبيعة منتجاتنا فذهبت لمقابلته وما أن دخلت عليه حتى هب واقفاً وأخذ يتحدث بسرعة بينما يلوح بيده فى الهواء مبدياً عدم ارتياحه لما اقوم بتصنيعه ثم أنهى حديثه بسؤالى :ماذا ستفعل الان ؟ فقلت له :اننى على استعداد لتصنيع معدات أخرى وفقاً لما تراه اذ من حقك أن تحصل على ما تريد طبقاً للمواصفات التى تحددها ولكن ينبغى أن يتحمل كل منا مسؤولية أرائه فاذا تركتنا نعمل وفقاً لخبراتنا فسوف نسلمك ما لدينا على ان نتحمل مسؤؤلية أى خطأ بما فى ذلك الالتزامات المالية أما اذا أردت أن نقوم بتصنيع الالات وفقاً للمواصفات التى تريدها فعليك أن تتحمل مسؤولية ذلك بما فيه من زيادة الاسعار اننى أتطلع الى ارضائك
هنا هدأت ثائرته ووجه لى الحديث قائلاً:حسناً أمض فى عملك ولكن اذا لم تكن المعدات على ما يرام فسوف تندم على ذلك
لقد أهاننى الرجل ولوح لى بيده وزعم اننى اجهل أصول صناعتى لكننى تحملت وكظمت غيظى وقد أفادنى هذا كثيراً اذ لو قلت له أنه مخطىء ودخلت معه فى جدل لما فلحت فى اقناعه ولا اضطررت الى اللجوء للقضاء مما يتسبب فى نفقات باهظة من ناحية وفى خسارته كعميل من ناحية اخرى
لقد أدركت بالفعل أنه لا جدوى من اخبار الناس بأنهم على خطأ وان الصبر والكياسة هما الطريق لكسب قلوب الاخرين
يعمل (كرولى) مديراً للتسويق فى شركة (جاردنز تايلور) لبيع الاخشاب فى نيويورك ولما كان ذا مزاج حاد ومجادلاً فظاً فقد وجد ان الشركة تخسر الاف الدولارات بسبب اتهامه العملاء بالجهل مما يعوقه عن عقد الاتفاقات مع العملاء
وقد روى للطلبة قصته بنفسه فقال :
دق جرس الهاتف ذات صباح فى مكتبى لاجد على الطرف الاخر أحد العملاء يخبرنى أن شحنة الاخشاب التى تسلمها من الشركة ليست مطابقة للمواصفات لذا فقد امتنع عن استلامها بعد ان تسلم ريعها اذ أخبره أحد موظفيه أن الاخشاب ليست مطابقة للمواصفات التى طلبوها
أنهيت معه المكالمة ثم توجهت مسرعاً الى مصنعه وفى الطريق كنت افكر فى أفضل الطرق لحل المشكلة
كنت فيما سبق حين يحدث مثل هذا الخلاف أشير الى قطعة من الخشب ومن ثم ادخل فى جدال لاقناع العميل بجودتها ثم اتهمه بالجهل والافتقار فى الخبرة فى التمييز بين الانواع المختلفة لكننى هذه المرة قررت أن اتبع الاسلوب الذى تعلمته فى المعهد خلال الفصل الدراسى
حين وصلت الى المصنع لاحظت أن مدير المشتريات فى حالة من الغضب الشديد وكذلك خبير الاخشاب الخاص بهم وبدا أن كلا الرجلين يستعد لجدل عنيف لذا توجهت الى حيث الشحنة التى تم تفريغ جزء منها وطلبت اليهم تفريغ باقى الشحنة كى أتحرى حقيقة الامر وطلبت من (خبيرهم) ان يفصل الخشب الجيد عن الردىء وبالفعل قام الرجل بعمل ما طلبته وقد لاحظت أنه رغم دقته ليس خبيراً بهذا النوع من الاخشاب فهو ذو خبرة بالانواع العادية لكنه يفتقر الى الخبرة فيما يتعلق بالانواع الفاخرة
كان من الممكن أن أواجهه بهذه الحقيقة لكنى تحليت بالصبر ثم سألته سؤالاً أردت منه ان اعرف ما تريده شركته فقلت : لماذا ترى ان بعض القطع غير مطابقة للمواصفات المطلوبة ؟
لقد أشعرته أنه على حق فى رفض الاخشاب فبدأ غضبه يتلاشى وجرى بيننا حوار هادىء دون ان اتهمه بالجهل ولم يلبث ان اخبرنى ان ليست لديه خبرة بهذا النوع من الاخشاب ثم بدأ يسألنى عن كل لوح يتم تفريغه وانا أشرح له الفرق ملحاً عليه أن يرفض اى قطعة يرى انها غير سليمة
عندئذ بدا الرجل كما كان يشعر بالذنب لرفضه الشحنه فاعترف بأنه ليست لديه المعلومات الكافية للتفريق بين الانواع المختلفة وانه سوف يسعى لوضع قواعد تحكم المسألة فيما بعد
وفى النهاية حصلت على ثمن الاخشاب دون أن اضطر للوقوع فى مهاترات نتيجة الجدل
وقديماً قال الملك المصرى (اخناتون) الذى دعا الى التوحيد :
كن كيساً تكتسب ثقة الأخرين
وانت أيضا لكى تستطيع اقناع الناس بأرائك اتبع القاعدة التالية:
اظهر شيئاً من الاحترام لمحدثك , ولا تقل له أنه مخطىء
شارك المقالة:
541 مشاهدة
هل أعجبك المقال
0
0

مواضيع ذات محتوي مطابق

التصنيفات تصفح المواضيع دليل شركات العالم
youtubbe twitter linkden facebook