من بين أهم مميزات الاقتصادي وعالم الإدارة الأمريكي بيتر دراكر؛ هو طرحه لمفاهيم خالدة حقًا، ولعل هذا هو السبب الذي يجعل مؤلفاته مرجعًا دائمًا للباحثين، والمختصين في الإدارة.
ومن بين المفاهيم التي طرحها “دراكر”؛ خلال منتصف الستينيات من القرن الماضي، مفهوم المدير التنفيذي الفعّال The Effective Executiv، وصنّف كتابًا يحمل العنوان ذاته.
يذهب “دراكر” إلى أن الاقتصاد، خلال الحقبة الأخيرة، أمسى اقتصادًا معرفيًا، يعتمد على المعرفة أكثر من اعتماده على الخبرة، على الإبداع أكثر من اعتماده على التنظيم، ولذلك راح الرجل يطور، خلال مؤلفه الذي نتحدث عنه الآن، مفهوم الفعالية، مؤكدًا أن الفعالية مهارة يمكن اكتسابها.
إن المدير التنفيذي هو الشخص الأكثر تأثيرًا، ليس في موظفيه ومرؤوسيه فحسب، بل إن الصورة الذهنية التي تتكون عن الشركة لدى الجمهور، والعملاء، ووسائل الإعلام، تكون مأخوذة، في الأساس، أو نابعة من الصورة الذهنية للمدير التنفيذي نفسه.
وعلى ذلك، فإنه لا غرابة إن ألفينا أن الصورة الذهنية للمدير التنفيذي تؤثر في كل من؛ معدلات إنتاج الموظفين، أرباح الشركة، أسهمها في السوق، صورتها الذهنية لدى العملاء، ووسائل الإعلام المختلفة.
وتحتم هذه الأمور، وغيرها بطبيعة الحال، على المؤسسات المختلفة، خاصة إذا كانت صغيرة أو ناشئة، أن تكون دقيقة عند تعيين مدير تنفيذي جديد؛ فالأمر لا يعني مجرد الإتيان بشخص ليقوم بمهمة ما أو عدة مهام، بل إنه يتعدى ذلك بكثير.
ولأن المدير التنفيذي هو الشخص الأكثر تأثيرًا في أي مؤسسة؛ حدد “بيتر دراكر” خمس مهارات أساسية يجب أن يتحلى بها هذا المدير، وفيما يلي توضيح لهذه المهارات:
إن الوقت هو السلاح الأمضى لتحقيق الفاعلية _التي ينشدها دراكر_ وهذا الوقت إن لم يتمكن المدراء التنفيذيون من حُسن إدارته فسيذهب هباءً منثورًا؛ ذلك لأن الوقت الضائع لا يمكن تعويضه، ولا شراء بديل له.
وعلى الرغم من الأهمية التي يعلّقها “بيتر دراكر” على الوقت، فإن كثيرًا من المدراء التنفيذيين يهدرون أوقاتهم في الكثير من الأمور التي يظنونها ذات جدوى، بينما هي في الحقيقة غير ذلك، مثل شرح المهام المطلوبة من كل موظف، ناهيك عن أنه كلما كان حجم المؤسسة أكبر كان الوقت المُهدر أكثر.
ولكي يتم التغلب على معضلة ضياع الوقت وإتلافه، على المدير التنفيذي _إن هو أراد أن يكون أكثر فعالية_ أن يُحصى وقته الضائع بدقة، وأن يعرف أين يضيع وقته بالضبط.
ثم عليه، بعد ذلك، أن يضع آلية مناسبة لإدارة وقته غير المهدر، هذا من جهة، ومحاولة تقليل وقته المهدر، من جهة أخرى.
من بين المهارات التي يجب أن يتحلى بها المدير التنفيذي الفعّال هو التركيز على النتائج الفعلية لما يقوم به هو وموظفوه، فهو مُكرّس كليةً للنتائج التي تؤدي إليها الأنشطة الوظيفية وليس غارقًا في هذه الأنشطة؛ فالتفاصيل لا تعنيه في شيء.
فضلًا عن أنه دائم السؤال لنفسه: بماذا يمكنني أن أساهم؟ بمعنى أنه يسأل نفسه طوال الوقت عن الكيفية المُثلى للقيام بمساهمة جادة ومجدية للشركة، ناهيك عن أنه يرى نفسه ليس مسؤولاً عن مساهماته الشخصية فحسب، بل عن مساهمات كل موظفيه.
تؤدي هذه الطريقة إلى تعليم الموظفين قيمة تحمل المسؤولية؛ فإذا كان مديرهم التنفيذي يتحمل مسؤولية أفعاله؛ فإنهم، ومن دون شك، سيحذون حذوه، فيتحملون نتائج أعمالهم المختلفة.
هذه مهارة مهمة، ولكنها، وعلى الرغم مما تنطوي عليه من أهمية، لا تحظى بكبير اهتمام، إن المدراء الفاعلون هم أولئك الأشخاص الذين يطرحون المشكلات ونقاط الضعف وراء ظهورهم، ويركزون، بدلاً عن ذلك، على نقاط القوة التي يتمتع بها كل فرد من أفراد المؤسسة.
وتبعًا لذلك، ستمسي المؤسسة عبارة عن تراكم ضخم من نقاط القوة، وما تعنيه أي مؤسسة من المؤسسات هو الاستخدام الأمثل لنقاط قوة كل فرد من أفرادها.
ثمة قاعدة بديهية تقول: لن يكون هناك وقت كافٍ للقيام بكل شيء. لكن ما الحل حيال هذه المعضلة؟ في الواقع، ما من مخرج من هذه المعضلة سوى ترتيب الأولويات، وتحديد أهمها فالأقل أهمية.
يساعدنا تحديد الأولويات في الاستخدام الأمثل لكل مواردنا؛ بداية من الوقت، مرورًا بخبرات الموظفين وكفاءاتهم، وصولاً إلى سمعة الشركة لدى عملائها، وفي مجتمعها المحلي.
لا ينصب جهد المدير التنفيذي الفعال على اتخاذ قرارات لحل مشكلة من المشكلات، أو مواجهة أزمة من الأزمات، إنما هو، على العكس من ذلك، يشحذ تفكيره لاتخاذ قرارات فعالة، واستراتيجية، لا تعمل على المعالجة اللحظية للأزمات، وإنما يكون لها أثر وجدوى فيما بعد.