عادت عملة البتكوين المشفرة لتتصدر عناوين الصحف والمواقع الإخبارية حول العالم، مع الارتفاع المتواصل لسعرها وتسجيل مستويات غير مسبوقة منذ ثلاث سنوات تقريباً.
قفزت البيتكوين خلال تداولات الثلاثاء 24 نوفمبر أعلى مستوى 19 ألف دولار للمرة الأولى منذ ديسمبر 2017، لتعزز مكاسبها هذا العام إلى 165%.
وقلصت العملة الافتراضية الأكبر في العالم من حيث القيمة السوقية “بتكوين” مكاسبها إلى 2.8% عند 18945 دولارًا، في تمام الساعة 01:18 مساءً بتوقيت مكة المكرمة، بعدما سجلت في وقت سابق 19086 دولارًا.
وتعد البيتكوين مقتربة من أعلى مستوياتها على الإطلاق الذي يقترب من 2000 دولار والمسجل في ديسمبر 2017، والذي تراجعت في العام التالي له إلى 3122 دولار.
تزامن صعود العملة المشفرة مع عدة تطورات إيجابية على صعيد الاستخدام الفعلي والاهتمام من قبل بعض كبار اللاعبين، ما جعل تخزين واستخدام العملة أبسط وأكثر أماناً.
البيتكوين.. صحوة الفقاعة أم واقع عالمي جديد؟
المتفائلون: هذا الوقت مختلف؟
– يرى بعض المتفائلين بمستقبل العملات الإلكترونية أن مخاوف تكرار قصة صعود وانهيار البيتكوين قبل ثلاث سنوات قد لا تكون مبررة هذه المرة، بدعوى وجود اختلافات تتعلق بظروف السوق والاقتصاد والمستثمرين أنفسهم.
– يعتقد بعض المتابعين أن العملات المشفرة أصبحت بمثابة ملاذ للمستثمرين من تقلبات أسواق الأسهم وفشل الأصول الآمنة التقليدية مثل الذهب والسيولة النقدية في توفير الحماية المطلوبة والمكاسب المأمولة.
– خفضت معظم البنوك المركزية الكبرى معدلات الفائدة لمستويات قياسية متدنية للتغلب على تداعيات وباء “كوفيد-19″، ما ألقى بظلاله على الارتفاع التاريخي للسندات سالبة العائد والتي تجاوزت 17 تريليون دولار.
– يخشى بعض المتابعين من أن سياسة طباعة الأموال وضخ السيولة بوتيرة غير مسبوقة (نحو 19.5 تريليون دولار قيمة حزم تحفيز مالية ونقدية منذ بداية الوباء) تثير مخاوف تتعلق بارتفاع معدل التضخم خلال الفترة المقبلة.
– تمتلك البيتكوين بصفة خاصة ميزة نسبية تتمثل في وجود معروض محدود بحد أقصى مسموح يبلغ 21 مليون وحدة، على خلاف العملات السيادية مثلاً والتي يمكن طباعتها بقدر ما ترغب الحكومات والبنوك المركزية.
– يشعر الداعمون للعملة المشفرة بأن فكرة المعروض المحدود قد تخلق حالة من العجز المستمر بين الطلب والعرض ما يجعل البيتكوين أداة للحماية من احتمالات تسارع التضخم وفقدان العملات الورقية لقوتها الشرائية.
– من أبرز أسباب الصعود السريع والقياسي للعملة المشفرة قبل ثلاث سنوات هو “الفومو” أو خوف البعض من فقدان الفرصة، حيث يخشى الناس من عدم استغلال فرصة الارتفاع وتحقيق المكاسب السريعة، وهو ما يساهم في زيادة الطلب المضاربي وبالتالي يتسبب في رفع السعر أكثر.
– تبدو البيتكوين في نظر البعض بمثابة بديل لمكانة الذهب في المحافظ الاستثمارية، خاصة فيما يتعلق بالتحوط من احتمالات تسارع التضخم.
– شهد صندوق “جراي سكيل بيتكوين ترست” تدفقات نقدية ملحوظة مؤخرا، في الوقت الذي شهدت فيه صناديق الاستثمار المتداولة في الذهب تخارجا لرؤوس الأموال، في إشارة إلى تحول اهتمامات بعض المستثمرين من المعدن إلى العملة المشفرة.
– على نفس الصعيد، شهد عدد العقود المستقبلية والخيارات المفتوحة في بورصة شيكاغو ارتفاعا بثلاثة أمثال المسجل في نفس الفترة قبل عام.
– يتوقع الملياردير “مايك نوفوغراتز” أن يصل سعر عملة البيتكوين لنحو 65 ألف دولار بسبب الطلب المتزايد والمعروض الضعيف من العملة.
– من وجهة بعض الخبراء، يبدو مصير البيتكوين مختلفا عن عام 2018 الذي شهد انهيار الفقاعة وهبوط السعر من 20 ألف دولار لنحو 3200 دولار في غضون بضعة أشهر.
– الهبوط الذي عانت منه العملة المشفرة قبل أكثر من عامين جاء بفعل تخارج المستثمرين الأفراد الذين شكلوا السبب الأكبر وراء الصعود آنذاك، لكن الظاهر حالياً أن بعض المؤسسات قامت بتبني حيازة البيتكوين، ما يجعل احتمالات حدوث موجة بيعية مدفوعة بالذعر أمراً غير مرجح.
المشكِّكون: الشكوك لم تنته
– لكن على الجانب الآخر، يرى المنتقدون لهذا النوع من الأصول أن البيتكوين تُستخدم بشكل كبير في أنشطة غير قانونية تشمل غسل الأموال والتجارة غير المشروعة، ما يجعلها خطراً على الدول.
– يعتقد محللون أن العملات المشفرة قد تتعرض لتنظيم حكومي خلال الفترة المقبلة، خاصة مع الاهتمام المتزايد من قبل بعض البنوك المركزية مثل المركزي الأوروبي وبنك الشعب الصيني وغيرهما بطرح محتمل لعملات رقمية خاصة.
– بعد تجاوز البيتكوين حاجز 17 ألف دولار هذا الأسبوع، خرج “راي داليو” مؤسس أكبر صندوق تحوط في العالم “بريدج ووتر أسوشيتس” ليبدي تعجبه من الصعود الحاد ومكرراً مخاوفه حيال العملة.
– يرى “داليو” أن مشكلته في اعتبار البيتكوين عملة فعالة تتمثل في أنها ليست مخزنا جيدا للقيمة والاحتفاظ بالثروات لأنها متقلبة بشكل كبير ولا تمتلك ارتباطا قويا بأسعار السلع المرغوب في شرائها وبالتالي لا تحمي القوة الشرائية للمستهلكين.
– تمتلك العملات السيادية ثلاث وظائف أساسية وهي، مخزن للثروة ووسيلة للتبادل ومقياس للقيمة، وهو ما لا تقدمه العملة المشفرة التي يُعرف عنها التقلبات الحادة والسريعة وقلة إمكانية استخدامها في عمليات التبادل اليومية.
– “جيمي ديمون” الرئيس التنفيذي لبنك “جيه بي مورجان” كان له رأي معارض أيضاً للعملة المشفرة والتي وصفها بأنها غير ملائمة له، بعد انتقادات شهيرة طوال سنوات تتهمها بـ”الاحتيال والفقاعة الفاشلة”.
– “لا أتخيل أن يقوم بنك مركزي أو مؤسسات استثمارية بشراء البيتكوين، بعكس الذهب مثلا والذي يمثل ثالث أعلى الأصول التي تمتلكها البنوك المركزية حول العالم”، هكذا يبرر “ديمون” موقفه الرافض للعملة المشفرة.
– بالنسبة للكثيرين، لا تمثل البيتكوين وغيرها من العملات المشفرة سوى وسيلة لتحقيق ثروات بشكل سريع وسهل عبر شرائها ثم السعي لبيعها لآخرين لاحقا مقابل سعر أعلى.
– لكن ما يُطلق عليه “رحلة البحث عن الأحمق الأكبر” الذي سيشتري الأصل المالي بمقابل أعلى قد تنتهي في بعض الحالات باكتشاف أن الحائز الحالي له هو آخر طرف في السلسلة، ما يعني أن الفقاعة وصلت لمرحلة النهاية.