يكثر الحديث مؤخرا حول العمل من المنزل والترويج له بمغريات الراحة وحرية الوقت ومرونته والتخلص من أعباء التنقل بين مكان العمل التقليدي والبيت. ولكن ماذا عن الوجه الآخر للعمل من المنزل؟ ما هي الأمور التي ينبغي أن توضع في الحسبان قبيل اتخاذ قرار العمل من المنزل؟
لا يعني هذا أنه عليك تجنب العمل من المنزل إطلاقا، وإنما هي محاولة للمساعدة وتوضيح جانب قد يخفى على الكثيرين، وهذه السلبيات تتفاوت في تأثيرها من شخص لآخر، وقد يستطيع بعضهم تجاوز بعضها أو كلها والمحافظة على إنتاجية عالية.
وإذا كنت تخطط للعمل المنزلي الحر أو العمل في وظيفة رسمية عن بُعد، إليك أبرز ما قد تواجهه في منزلك ويعيقك عن أداء مهامك، بل ويقلل الإنتاجية :
كثرة الملهيات
أول تحديات العمل من المنزل كثرة ما يُشغلك سواء من أفراد الأسرة أو حتى من الجمادات حولك. ربما يدق الجرس فتضطر أنت للإجابة، وقد تقع عينك على فاتورة جهاز اشتريته ثم تتذكر أنك ستتقدم بشكوى للشركة فترفع السماعة مباشرة وتستغرق المكالمة ساعة من وقتك، فيحين بعد ذلك موعد الشاي فتذهب لتحضيره ثم تنشغل بهاتفك لمشاهدة الفيديو الجديد في قناتك اليوتيوبية المفضلة، وليس أشطر من اليوتيوب في سرقة الوقت. وفجأة يحين موعد إحضار طفلك من المدرسة. هذه أمثلة عشوائية استحضرتها وأنا أكتب، وكل يوم سيفاجئك بملهيات جديدة. قد تستطيع إلزام نفسك بالعمل وتجنب الملهيات ولكنك ستجد مشقة في ذلك، وإن نجحت مرة فستفشل مرات.
صعوبة الفصل بين وقتك ووقت العمل
وهذا تحد آخر من تحديات العمل من المنزل. تبدأ المعاناة من الاستيقاظ من نومك، فبعد ليلة طال فيها السهر لعدم وجود ساعات عمل ومحاسبة في الحضور ستجد ثقلا في النهوض من على فراشك. ستوسوس لك نفسك بأنك ستعوض ذلك بساعة إضافية ولكن الواقع ليس كذلك دائما. من جرب العمل من المنزل سواء أكان عمله دراسيا أو لكسب الرزق فإنه سيدرك حجم المعاناة في الفصل بين مهام العمل ومهام المنزل. ستجد نفسك تميل إلى البدء بمهام المنزل والأسرة أولا، ثم إذا جلست لتبدأ عملك اكتشفت أنك مرهق، وإن استفتحت يومك بالعمل فالمقاطعة ستداهمك عاجلا في أي لحظة. طفلك يقرع الباب لتصلح لعبته، أو زوجتك تأتي لتبشرك بولادة أختها ثم تتناقشان حول الهدية التي ستقدمانها… إلخ. ليس شرطا أن تكون صعوبة الفصل بين المهام بسبب وجود آخرين في البيت، وإنما هذه أمثلة معدودة.
لن تقنع أهل بيتك أنك في شغل
امتدادا للنقطة السابقة فإني أؤكد لك بأن من تحديات العمل من المنزل أنك ستجد صعوبة في إقناع أهل بيتك أنك في شغل، فما دمت موجودًا في البيت فأنت متاح لهم. قد يدركون قرارك في العمل من المنزل فيحترمون وقت العمل بتأجيل الالتزامات، ولكنك لن تسلم من المقاطعة لأي أمر طارئ. مثلا، لو تعطلت سيارة أخيك وأنت تعمل في مؤسسة تبعد ٥٠ كيلا عن المنزل فلن يتصل بك وسيستعين بمزود خدمة قريب منه، أما لو كنت تعمل في المنزل فسيأتيك مباشرة ليطلب مساعدتك أو ليستعير سيارتك، فعملك قابل للتأجيل في رأيه ولو حاولت إقناعه. وقد تكون في مكالمة مع عميل حول مشروع لتنفيذه فتتفاجأ بوالدتك تطرق الباب لتخبرك بأن خالتك قد طبخت غداء لذيذا وتود منك أن تذهب لإحضاره، لن تستطيع إقناعهما أنك في وظيفة وعمل، وكل ما بوسعك هو تأجيل الأمر لدقائق معدودة، فالغداء يجب إحضاره ظهرا، وهذا يعني أنك أضعت ساعة أو ساعتين من نهارك. والأمثلة كثيرة!
عبء الخدمات المساندة وغياب الدعم الفني
حين تقرر العمل في المنزل فلن يكون بإمكانك الاتصال بقسم الصيانة أو التقنية لحل المشكلة فورا إذا تعطل حاسوبك أو انقطع الاتصال بالإنترنت، ولن ترفع السماعة لتطلب ورق طباعة ليصلك في لمح البصر، كل هذه الأمور وما يشبهها ستقع على كاهلك، وهذا يعني إهدار المزيد من الوقت والجهد. الخدمات المساندة في المؤسسات والشركات لا يُستهان بها في رفع معدل الإنتاجية وضمان راحة الموظفين وسلاسة العمل، فضع ذلك في حسبانك حين تتخذ قرارك.
الملل تحد آخر
ومن عوائق العمل من المنزل سرعة تسلل الملل لطول الجلوس في المكان وقلة الحركة وغياب الناس حولك، فلن تجد زميلا يمازحك أو حتى يستفزك! فإن كنت محظوظا بغياب التحديات السابقة فلن تقاوم الملل بسهولة، وكل محاولة لطرده ربما توقعك في شراك العوائق السابقة.
والحل؟
ما دام العمل من المنزل يتضمن العوائق المذكورة، من الافضل لك أن تبحث عن خيارات وسط. فمن الاسباب التي جعلتك تفكر في العمل من المنزل سنجد الهروب من بيئات العمل التقليدية ورغبة في شيء من المرونة والحرية!
ماذا عن المقاهي مثلا؟ ألن تكون خيارا جيدا إلى حد ما؟ هذا سيعتمد على طبيعة عملك واختيار المقهى المناسب الذي يعينك على إنجاز مهامك. النقطة الإيجابية الواضحة في هذا الخيار هي التجديد المستمر وغياب ملهيات المنزل، وإن كان في المقاهي ملهيات من نوع مختلف!
ومن الخيارات المحتملة أن تستأجر مكتبًا في أماكن العمل المشتركة، فهي خيار جيد يجمع بين حرية المنزل ومرونته وبين بيئة العمل في الوظيفة التقليدية من ناحية الدعم الفني والخدمات المساندة. ابحث عن هذه المكاتب في مدينتك فهي تتميز بقلة التكلفة وخيارات متنوعة في التأجير بالساعات والأيام والأسابيع وأكثر.
أما إن كنت مصرًا على العمل من المنزل فيفضَّل أن تخصص لك مكتبًا في مساحة مستقلة من البيت، فإذا كنت في هذا المكان عرف كل من حولك أنك غير متاح لقضاء حوائج اعتيادية يمكن تأجيلها أو إلغاؤها. أما غير ذلك من ملهيات منزلية فكل واحد أعلم بحاله وكيف يتصرف ليحافظ على إنتاجيته في العمل.